لأحمد رجع عنه، لكن ذلك يسير بالنسبة إلى ما لم يُعلم حاله منها، ونحن لا يصح لنا أن نَجْزم بمذهب إمام حتى نعلم أنه آخر ما دونه من تصانيفه ومات عنه، أو أنه نص عليه ساعة موت، ولا سبيل لنا إلى ذلك في مذهب أحمد، والتصحيح الذي فيه، إنما هو من اجتهاد أصحابه بعده، كإبن حامد، والقاضي وأصحابه، ومن المتأخرين الشيخ أبو محمد المقدسي -رحمة الله عليهم أجمعين-، لكن هؤلاء بالغين ما بلغوا، لا يحصل الوثوق من تصحيحهم لذهب أحمد، كما يحصل من تصحيحه هو لمذهبه قطعاً، فمن فرضناه جاء بعد هؤلاء، وبلغ من العلم درجتهم أو قاربهم، جاز له أن يتصرف في الأقوال المنقولة عن صاحب المذهب كتصرفهم، ويُصحح منها ما أدى اجتهاده إليه، وافقهم أو خالفهم، وعمل بذلك وأفتى. وفي عصرنا من هذا القبيل شيخنا الإمام العالم العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية الحرّاني حرسه الله تعالى، فإنه لا يتوقف في الفُتيا على ما صححه الأصحاب في المذهب، بل يعمل ويفتي بما قام عليه الدليل عنده، فتكون هذه فائدة خاصة بمذهب أحمد، وما كان مثله لتدوين النصوص ونقلها، والله تعالى أعلم بالصواب (١). اهـ.
فهذه السعة الإجتهادية انعكست صورتها على آراء المجتهد شيخ الإسلام أحمد ابن عبد الحليم ابن تيمية الحرّاني (٧٢٨ هـ) فيما عُرف بـ "اختيارات ابن تيمية".