للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- القسم الثاني: المجتهد المقيد، وهو المجتهد في مذهب إمامه، أو إمام غيره، وأحواله أربعة:

الحالة الأولى: أن يكون غير مقلد لإمامه في الحكم والدليل، لكنه سلك طريقه في الإجتهاد والفتوى، ودعا إلى مذهبه، وقرأ كثيراً منه على أهله، فوجده صواباً، وأولى من غيره، وأشد موافقة فيه وفي طريقه.

الحالة الثانية: أن يكون مجتهداً في مذهب إمامه، مستقلاً بتقريره بالدليل، لكن لا يتعدى أصوله وقواعده، مع إتقانه للفقه وأصوله، وأدلة مسائل الفقه، عالماً بالقياس ونحوه، تام الرياضة، قادراً على التخريج والإستنباط، وإلحاق الفروع بالأصول والقواعد التي لإمامه. وهذه مرتبة أصحاب الوجوه والطرق في المذاهب.

الحالة الثالثة: أن لا يبلغ به رتبة أئمة المذهب من أصحاب الوجوه والطرق، غير أنه فقيه النفس، حافظ لمذهب إمامه، عارف بأدلته، قائم بتقريره، ونصرته، يصور، ويحرر، ويمهد ويقوي، ويزيف، ويرجح، لكنه قصر عن درجة أولئك.

وهذه صفة المتأخرين الذي رتبوا المذاهب، وحرروها، وصنفوا فيها تصانيف.

الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب، ونقله وفهمه، فهو حجة في نقل المذهب وفتواه به، على أنه مخبر ناقل، لا مجتهد مستنبط، ولا يجتهد إلا في المسائل التي تتشابه مع المنصوصات بغير كبير تأمل ولا فكر. وكذلك المسائل التي يعلم أنها تندرج تحت ضابط من الضوابط الفقهية (١).

إذا تبين هذا، فأين يرتب شيخ الإسلام؟ لا شك أن فتاويه التي أفتى بها على خلاف مذهب الإمام أحمد تدل على أنه إما مجتهد مطلق، وإما مجتهد مقيد من الدرجة الأولى. وقد عده المرداوي في "الإنصاف" (٢) مجتهداً مطلقاً، فقال: قد ألحق طائفة من أصحابنا المتأخرين بأصحاب هذا القسم -يعني القسم الأول- الشيخ تقي الدين ابن تيمية -رحمة الله عليه- وتصرفاته في فتاويه، وتصانيفه تدل على ذلك. ا. هـ.


(١) الإنصاف، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، ٣٠/ ٣٨٤، الفواكه العديدة ٢/ ١٧١، المدخل ص ٣٧٤، إعلام الموقعين ٤/ ١٧٣، معونة أولي النُّهى ٩/ ٥٨٨.
(٢) ٣٠/ ٣٨٤