للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومعنى ذلك: أن شيخ الإسلام يستقل بأصول في الإجتهاد والفتوى عن الأئمة الأربعة، ومنهم الإمام أحمد، ولكن تلك الأصول التي استقل بها تتشابه إلى حد بعيد مع أصول الإمام أحمد.

ويذهب الشيخ محمد أبو زهرة إلى القول بأن شيخ الإسلام معدود في المجتهدين المنتسبين، أي: إنه عنده مجتهد ضمن المذهب الحنبلي. فقال: ولقد غالى فيه بعضهم فادعى أنه من أصحاب الإجتهاد المطلق الذي لم ينتسب إلى مذهب من المذاهب، وعلى ذلك يكون القول المعتدل الذي لا مغالاة فيه ولا شطط، ولا بخس ولا وكس: إنه مجتهد منتسب (١).

وكلام الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ- غير مسلم لعدة أسباب، منها:

أولاً: أنه اعتبر من وصفه بالإجتهاد المطلق مغالين فيه، وأنهم يقعون على الطرف النقيض من أولئك الذين ينزلون به عن درجات الإجتهاد كلية لسبب العداوة والخصومة، ونحن لا نستطيع أن نتعرف على عالم من علماء المسلمين الذين غبروا إلا من خلال تلك الكتب التي عرّفت به أو الآثار التي تركها ووصلت إلينا، ولا يجوز لنا أن نعتبر كلامهم مغالاة أو اشتطاطاً إلا إذا تبين ذلك بوضوح.

وقد تقدم أن المرداوي يعتبره من المجتهدين على الإطلاق، وهو من علماء المذهب المحققين، الذين لا يطلقون الكلام جزافاً ولا مبالغة.

ووصفه ابن رجب في "الطبقات" (٢) بأنه: الإمام الفقيه المجتهد المحدث ... إلخ. وعادته -رَحِمَهُ اللهُ- أن لا يصف كبار الحنابلة بوصف "المجتهد" فضلاً عن صغارهم، فدل ذلك أنه يعتبره مجتهداً مطلقا.

وقال الذهبي فيه: وقد خالف الأربعة في مسائل معروفة، وصنف فيها واحتج لها بالكتاب والسنة ... إلى أن قال: وله الآن عدة سنين لا يفتي بمذهب معين، بل بما قام الدليل عليه عنده (٣).


(١) ابن تيمية ص ٤٤٨.
(٢) ٢/ ٣٧٨.
(٣) الشهادة الزكية، للشيخ مرعي بن يوسف الكرمي، ص ٤١، ط. الرسالة.