للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونظرًا لما تتسم به القواعد من المعاني الكلية الضابطة للفقه وأصوله، فإنها تعد من دون مرية ذخيرة الفقيه وميزانه الذي يزن به، كما توفر عليه كثيرًا من المعارف الجزئية التي يقضي العمر ولا يدرك مرامها، وفي ذلك يقول القرافي:

"وهذه القواعد مهمة في الفقه، عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه، ويشرف، ويظهر رونق الفقه وَيعرف (١)، وتتضح مناهج الفتوى وتكشف. فيها تنافس العلماء، وتفاضل الفضلاء، وبرز القارح على الجذع، وحاز قصب السبق من فيها برع، ومن جعل يخرج الفروع بالمناسبات الجزئية، دون القواعد الكلية، تناقضت عليه الفروع، واختلفت، وتزلزلت خواطره فيها، واضطربت، وضاقت نفسه لذلك وقنطت، واحتاج إلى حفظ الجزئيات التي لا تتناهى، وانتهى العمر، ولم تقض نفسه من طلب منَاها. ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات، لاندراجها في الكليات" (٢).

وأمَّا الفروق فهي البيانات التي تكشف عن الإختلاف في الأحكام بين المسائل المتشابهة في الصورة والظاهر، وما يتبع ذلك من تبيين مآخذ أحكامها وأدلتها وعللها، ليتضح للفقيه طرق الأحكام، ويكون قياسه للفروع على الأصول متسق النظام، ولا يلتبس عليه طرق القياس، فيبني حكمه على غير أساس (٣).

ومن أمثلة الفروق:

إذا أحرم مبهمًا، نظرنا، فإن كان في أشهر الحج، فله صرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة، أو قران، والأفضل صرفه إلى التمتع، وإن كان في غير أشهر الحج، انعقد إحرامه بعمرة.

والفرق بينهما: أن الإحرام بالحج في غير أشهره مكروه، فلهذا لم يقع موقعاً موقوفًا، وانصرف إلى غير المكروه. ويفارق إذا كان ذلك في أشهر الحج، لأنه وقت للإحرام بالحج، فلهذا وقع موقوفًا (٤).


(١) بكسر الراء، من العَرْف الذي هو الرائحة، وفي ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن دم الحيض أسود يَعرف". وقال: " .... لا يجدن عَرْف الجنة" أي ريحها كما في الرواية الأخرى.
(٢) الفروق، للقرافي، ١/ ٣، ط. عالم الكتب، بيروت.
(٣) الفروق للسامرّي، ١/ ١١٥، ت. محمد بن إبراهيم بن محمد اليحيى، ط. دار الصميعي. المدخل لإبن بدران، ص ٤٥٧،٤٤٩.
(٤) الفروق، للسامرّي، ١/ ٣١٢.