ومن البلاوي أن هؤلاء الجهال ينتقون من رخص الفقهاء ما يحلُو لهم، ويتفق مع أهوائهم، مما تنبو عنه الشريعة الغراء، وتتجافى عنه الحنيفية السمحاء، التي جاءت من أجل إخراج الناس من دواعي الأهواء والشهوات إلى داعية الحق والعبودية لله.
وبعد: فإن فقهاءنا -رَحِمَهُمُ اللهُ- نشروا هذا العلم تارة عن طريق التأليف المتتابع والتصنيف المتناسق، وتارة عن طريق الأجوبة عن الأسئلة المتنوعة المتناثرة في الواقعات أو الحوادث أو النوازل (١).
ومن هنا تكوَّن "فقه الواقع" الذي يعتبر مادة المفتين وعمدتهم ومرشدهم.
وهناك من دون فتاويه بنفسه، وهناك من دون فتاويه غيره من تلامذته وأصحابه من العلماء، كما أننا نجد من علمائنا من اهتم بجمع الفتاوي لعدة فقهاء في كتاب واحد، كما فعل الونشريسي المالكي في "المعيار المعرب" الذي جمع فيه فتاوي تونس والأندلس والمغرب، فكان بذلك مدونة الفتوى وموسوعتها عند المالكية.
وممن ألف أو جمع أو دون الفتاوي من الحنابلة:
• "جوابات المسائل" للقاضي أبي يعلى (٤٥٨ هـ) بعضها ورد من الحرم، وبعضها ورد من تِنيِس (قرية مصرية) وبعضها من مَيافارقين (مدينة بديار بكر)، وبعضها من أصفهان.
• "فتاوى ابن عقيل" (٥١٣ هـ). اعتمد عليها ابن القيم في بعض كتبه.
• "فتاوى ابن الزاغوني" (٥٢٧ هـ). أفاد منها المنقور في "الفواكه العديدة" في موضعين.
• "فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" (٧٢٨ هـ). قام بجمعها الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم (١٣٩٢ هـ).
وفي ذلك يقول صاحب "علماء نجد":
"عمد إلى رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية وفتاويه ومختصرات كتبه في العقائد والتوحيد والتفسير والحديث والفقه وعلم السير والسلوك وأصول التفسير وأصول
(١) دونت فتاوى الحنفية القديمة تحت عنوان "الواقعات" و"الحوادث" ثم دونت بعد ذلك تحت عنوان "الفتاوي" ولا تزال أكثر الكتب التي دونت فتاوي المالكية ترسم بعناوين "النوازل" جمع نازلة على معنى القضية المستجدة، ومن ذلك "نوازل مازونة" للمازوني، و"النوازل الكبرى" و"الصغرى" كلاهما لمحمد المهدي الوزاني المغربي.