للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أهل الترجيح والإختيار في المذهب. ونجده يشير إلى الرواية المرجوحة أحياناً، كما في "باب أجل العنين والخصي غير المجبوب" من كتاب النكاح فقد قال في الأخير: وقد روي عن أبي عبد الله -رَحِمَهُ اللهُ- قول آخر: إن القول قوله مع يمينه (١).

وبما أن الخرقي -رَحِمَهُ اللهُ- تصرَّف بالترجيح والإختيار في مذهب الإمام أحمد، ولم يعن باختلاف الرواية، فإنه من المحتمل جدّاً أن يكون خرّج كثيراً من المسائل على أصول الإمام، واجتهد فيها بالنقل والإستنباط. فهل هذا واقع؟

إنَّ الجواب عن هذا السؤال مطويٌّ في مناقشة مسألة مهمة، وهي: هل القول المقيس على كلام الإمام أحمد مذهب له أو لا؟ وبعبارة أوضح: إذا لم نجد للإمام نصًا في مسألة، ولكن وجدنا أصحابه قاسوها على مسألة مشابهة لها في المعنى، وهو ما يسمى بالتخريج للمسائل على نصوص الإمام، وقد يسمى: نقلًا، ويسمى القول المخرَّج وجهاً أو رواية مخرجة. فهل هذا الإجتهاد يصح أن ينسب للإمام؛ من حيث إنه مذهب له أم لا يصح؟

قال ابن مفلح في "الفروع" (٢): والمقيس على كلامه مذهبه في الأشهر. وقال المرداوي في التعليق عليه: واعلم أن الصحيح من المذهب أن ما قيس على كلامه مذهب له، قال المصنف هنا: "والمقيس على كلامه مذهبه في الأشهر". انتهى. وهو مذهب الأثرم، والخرقي، وغيرهما من المتقدمين، وقاله ابن حامد وغيره في "الرعايتين" و"آداب المفتي" و"الحاوي" وغيرهم، وقيل: ليس بمذهب له، قال ابن حامد: عامة مشايخنا، مثل الخلال وأبي بكر عبد العزيز، وأبي علي، وإبراهيم، وسائر من شاهدناهم، لا يجوزون نسبته إليه، وأنكرو على الخرقي ما رسمه في كتابه من حيث إنه قاس على قول. اهـ.

وهذا يكشف عن أن الخرقي -رَحِمَهُ اللهُ- قاس كثيراً من مسائل المختصر على كلام الإمام أحمد، ولا يوجد عن أحمد نص صريح بشأنها، وإنما حملها على المنقول عنه.

وبهذا يكون هذا "المختصر" نموذجاً من التأليفات المبكرة للحنابلة في الترجيح والتخريج على السواء. والله أعلم.


(١) مختصر الخرقي ص ١٧٥، المعارف، الرياض.
(٢) ١/ ٦٥، ط. عالم الكتب. و"الإنصاف" ٣٠/ ٣٧٠.