فصنف كتبًا كثيرة في أنواع العلوم، جليلة مفيدة، أعظمها "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" أربع مجلدات، جعله على "المقنع"، وهو من كتب الإسلام، فإنه سلك فيه مسلكًا لم يسبق إليه، بين فيه الصحيح من المذهب، وأطال فيه الكلام، وذكر في كل مسألة ما نقل منها من الكتب، وكلام الأصحاب، فهو دليل على تبحر مصنفه وسعة علمه، وقوة فهمه، وكثرة اطلاعه (١).
ويمكننا أن نلخص قيمة هذا الكتاب في العبارات التالية:
١ - يعتبر "الإنصاف" مع أصله "المقنع" مصدرًا عظيمًا من مصادر الفقه الحنبلي الجامعة المستوعبة، فهو يتكلم على المسائل الفقهية، بدقة متناهية، ثم يوشي ذلك بزيادات ونفائس، يعقدها عادة تحت عنوان:"فائدة".
٢ - ويعتبر "الإنصاف" مصدرًا من مصادر معرفة الصحيح من المذهب من غير الصحيح، والراجح من المرجوح، وييان من قال بأحد القولين أو الأقوال، كل ذلك على التفصيل التام، عند استواء الخلاف، وعدم وجود ترجيح في المسألة.
٣ - كما يعتبر "الإنصاف" مصدرًا مهمًا في التعرف على ما ألفه الحنابلة قبل المرداوي، من متون، وشروح، وتعليقات، وطرر، وحواش، ومدللات، ومجردات، ومذهبيات، وخلافيات، حتى إنه لا يعزب عما استودعه هذا الكتاب الجليل من أسماء كتب الحنابلة ومؤلفيها، إلا القليل النادر، فهو لا يعرض لمسالة من المسائل إلا ويذكر من الكتب التي وردت فيها وفاقًا وخلافًا ما يقضى منه العجب.
٤ - وكما كان "الإنصاف" مصدرًا من مصادر معرفة الصحيح من المذهب، فإنه يعتبر كاشفًا للأغلاط والأوهام الواقعة في المتون الفقهية الحنبلية على اختلافها، فهو وإن كان وضع على "المقنع" في الأصل، إلا أنه تصحيح لبقية الكتب الأخرى، فلهذا سهل عليه بعد ذلك تأليف "تصحيح الفروع" الذي وضعه على كتاب "الفروع" لإبن مفلح، فإنه اعتمد في ذلك على "الإنصاف" كما ذكر