والحقيقة: أن العلامة المرداوي يعتبر من المصححين للمذهب والمحررين له، وليس هو من أهل الإختيار حتى نقول: إنه يبني اختياره على أساس الكثرة وغيرها، والتصحيح والتحرير من ققه حكاية المذهب، ونقله، والبحث عن اختلاف قول الإمام واختلاف الرواية عنه في ذلك، واختلاف أصحابه من سائر الطبقات في الأقوال المخرجة، ونحو ذلك.
والعلامة المرداوي فريد عصره ووحيد دهره في هذا الفن الجليل، والعمل الشاق الطويل، في كتبه الثلاثة، وأشهرها "الإنصاف"، وقد كشف عن منهجه فيه فقال:
اعلم وفقك الله تعالى وإيانا، أن طريقتي في هذا الكتاب، النقل عن الإمام أحمد والأصحاب، وأعزو إلى كل كتاب ما نقلت منه، وأضيف إلى كل عالم ما أروي عنه، فإن كان المذهب ظاهرًا أو مشهورًا، أو قد اختاره جمهور الأصحاب وجعلوه منصورًا، فهذا لا إشكال فيه، وإن كان بعض الأصحاب يدعي أن المذهب خلافه. وإن كان الترجيح مختلفًا بين الأصحاب في مسائل مجتذبة المأخذ، فالاعتماد في معرفة المذهب من ذلك على ما قاله المصنف -يعني ابن قدامة في كتابه "المقنع"- والمجد، والشارح -يعني عبد الرحمن بن أبي عمر، صاحب "الشرح الكبير"- وصاحب "الفروع" و"القواعد الفقهية" و"الوجيز" و"الرعايتين" و"النظم" و"الخلاصة"، والشيخ تقي الدين، وابن عبدوس في "تذكرته"، فإنهم هذبوا كلام المتقدمين، ومهدوا قواعد المذهب بيقين (١).
أهمية كتاب الإنصاف وقيمته:
يعتبر كتاب "الإنصاف" زبدة ما ألف المرداوي، -رَحِمَهُ اللهُ-، وجزاه خيرًا عما قدم للفقه الحنبلي، فإنه بذل فيه جهدًا عظيمًا، وعمل فيه عملًا جليلًا، لم يسبقه فيه سابق، ولا لحقه من بعده لاحق، تلقاه الناس من مصنفه بالحظوة والقبول، وأثنوا عليه ثناءً عطرًا، وقرظوه تقريظًا جميلاً، فقال عنه مجير الدين العليمي (٩٢٨ هـ) في "المنهج الأحمد":