للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكم العباسي، فأخذ من هناك مكبَّلًا وحوكم في بلاط الرشيد، فكانت محاكمته ومحاورته مع الرشيد سبب إعجابه به (١).

وكان الشافعي بعد أن خرج منتصرًا من تلك التهمة الملفقة، قد اتصل بفقهاء العراق، وروى مذهبهم عن محمد بن الحسن الشيباني -رَحِمَهُ اللهُ- (ت ١٨٩ هـ) ثم عاد إلى مكة يفقه ويعلم.

وأما القدمة الثانية فكانت سنة ١٩٥ هـ واستمر سنتين هناك، وكانت هذه هي الفرصة الذهبية للإمام أحمد مع الشافعي، لأنه كان قد ألف كتبه، وأخذ يقرؤها على الناس. قال الحسن الزعفراني راوية مذهبه القديم:

"قدم علينا الشافعي بغداد سنة ١٩٥ هـ فأقام عندنا سنتين، أي إلى سنة ١٩٧ هـ ثم خرج إلى مكة، ثم قدم علينا سنة ١٩٨ هـ، فأقام عندنا أشهرًا، ثم خرج وكان يخضب بالحناء وكان خفيف العارضين ((٢).

وقال ابن كثير:

"ثم عاد الشافعي إلى بغداد سنة ١٩٥ هـ فاجتمع به جماعة من العلماء هذه المرة منهم: أحمد بن حنبلْ، وأبو ثور، والحسين بن علي الكراييسي، والحارث بن سريج النقال، وأبو عبد الرحمن الشافعي، والزعفراني وغيرهم" (٣).

وكانت القدمة الأخيرة عبارة عن بضعة أشهر في أواخر سنة ١٩٨ هـ ومنها تحول إلى مصر سنة ١٩٩ هـ حتى مات بها سنة ٢٠٤ هـ -رَحِمَهُ اللهُ-.

وكان الشافعي قبل قدومه إلى العراق في المرة الثانية قد ذاع صيته، وأصبح الناس يثنون عليه ويتمنون لقاءه والإفادة من علمه وسارت بأخباره الركبان.

وكانت بغداد تعج بحلقات العلم، وقد غلب على تلك الحلقات أهل الرأي من الفقهاء، وأهل الإعتزال من المتكلمين، فجاء الشافعي ليرد الحق إلى نصابه، ويدافع عن


(١) البداية والنهاية ١٤/ ١٣٣ ومقدمة تحقيق "بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" ص ١٨ للدكتور الشريف نايف الدعيس. ط. مؤسسة الرسالة.
(٢) مناقب الأئمة الأريعة، لإبن عبد الهادي المقدسي، ص ١٢٣ - ١٢٤، دار المؤيد، ١٤١٦ هـ.
(٣) البداية والنهاية ١٤/ ١٣٤.