للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمد بن علي السمسار، قال: كانت لأم عبد الله بن أحمد دار معنا في الدرب يأخذ منها درهما بحق ميراثه، فاحتاجت إلى نفقة فأصلحها عبد الله، فترك أبو عبد الله الدرهم الذي كان يأخذه، وقال: قد أفسده علي (١).

وكانت الحاجة قد اشتدت بآل أحمد بن حنبل في أيام المحنة، وكثرت عليهم الديون، ومع ذلك لم يتزحزح الإمام الشيباني عن زهده وورعه، وتظلفه عن الأعطيات والصَّلات، فقد قال ولده صالح: دخلت على أبي في أيام الواثق، والله يعلم في أي حالة نحن، وقد خرج لصلاة العصر، وكان له لبْدٌ يجلس عليه قد أتت عليه سنون كثيرة قد بَلِيَ، فإذا تحته كاغد، وإذا فيه: بلغني يا أبا عبد الله ما أنت فيه من الضيق وما عليك منَ الدَّين، وقد وجهت إليك بأربعة آلاف درهم على يدي فلان لتقضي بها دينك، وتوسع بها على عيالك، وما هي من صدقة ولا زكاة، وإنما هو شيء ورثته من أبي.

فقرأت الكتاب، ووضعته، فلما دخل قلت: يا أبة، ما هذا الكتاب؟ فاحمر وجهه، وقال: رفعته منك. ثم قال: تذهب بجوابه، فكتب إلى الرجل: وصل كتابك إلي ونحن في عافية. فأما الدَّين، فإنه لرجل لا يرهقنا، وأما عيالنا فهم في نعمة والحمد لله، فذهبت بالكتاب إلى الرجل الذي كان أوصل كتاب الرجل، فلما كان بعد حين، ورد كتاب الرجل مثل ذلك، فرد عليه بمثل ما رد. فلما مضت سنة أو نحوها ذكرناها، فقال: لو كنا قبلناها، كانت قد ذهبت (٢).

وأما بيت الإمام أحمد فقد كان على حد كبير من البساطة والتواضع، قال الميموني في وصفه: كان منزل أبي عبد الله ضيقًا صغيرًا، وكان ينام في الحر في أسفله، وقال لي عمه: ربما قلت له، فلا يفعل ولا ينام فوقُ، وقد رأيت موضع مضجعه وفيه شاذكونة وبردعة، قد غلب عليها الوسخ (٣).


(١) المناقب، ص ٣٣٢، وقال ابن أبي يعلى في "الطبقات" (١/ ١٥): إنما تورع من أخذ حقه من الأجرة خشية أن يكون ابنه أنفق على الدار مما يصل إليه من مال الخليفة.
(٢) المناقب، ص ٢٩٧، السير ١١/ ٢٠٥.
(٣) المناقب، ص ٣١٦، وفيه وصف بقية بيته وأثاثه المنزلي، والشاذكونة: ثياب غلاظٌ مضرَّبة تُعمل باليمن، والبردعة: كساء يُبسط في البيت.