فرحم الله سابقهم ولاحقهم، وأجزل لهم المثوبة بما خلفوا لن بعدهم من علم ينتفع به، وأي علم أنفع للناس من الفقه في الدين؟
ولما مَنَّ الله تعالى على المملكة العربية السعودية، بلم شعثها، وعصمة أمرها على إمام واحد، وراية واحدة راية الكتاب والسنة، ثاب الناس إلى الدين، وازدهرت العلوم الشرعية ونفقت سوقها، لإتصال القول بالعمل.
وكان علماؤها توارثوا هذا المذهب السني الجليل، منذ زمن بعيد، وأحبوه لحبهم إمامه الذي أجمع أهل السنة على إمامته، واستشرف السنة أو كاد، واعتمد في فقهه على فتاوى الصحابة، وقدم الأحاديث الضعيفة المنجبرة على القياس احتياطًا للنصوص , ومبالغة في التسليم للمنقول المأثور، واعتبر المصالح الثابتة قي الشرع، أصلاً تنتهي إليه الأحكام وتدور عليه، وأعمل سد الذرائع إلى المحرمات لِمَا دل الدليل القطعي على اعتبارها.
لأجل هذه الأسباب عني بالفقه الحنبلي في هذه البلاد المباركة، تعلماً وتعليمًا، وإفتاء وقضاءً، وإخراجاً لكنوزه من دفائق التراث، وتيسيرها بين الناس من الطلاب والعلماء والباحثين، مصححة نصوصها على أصولها الخطية، مع ما يتممها من تفسير الغريب وتراجم الأعلام، وعزو الآيات والأحاديث والآثار، والإحالة على النقول، وصناعة الفهارس، وما سوى ذلك من الأعمال التي درج عليها الناس في تحقيق التراث.