للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن خلكان في المريسي: جرد القول بخلق القرآن وحكي عنه في ذلك أقوال شنيعة، وكان مُرجئًا، وإليه تنسب المريسية من المرجئة (١).

قال الدورقي: إن هارون الرشيد قال: بلغني أن بشر بن غياث المريسي يقول: القرآن مخلوق، فلله علي إن أظفرني به لأقتلنه، قال: وكان متواريا أيام الرشيد، فلما مات الرشيد، ظهر ودعا إلى الضلالة (٢).

وكان المأمون قد قرب المعتزلة، واتخذهم ندماءه وسُمّاره، واختصهم بمجلسه، فتلقف عنهم هذه البدعة حتى صار يلحن بها، ولكنه لم يجرؤ على إبدائها للناس والدعوة إليها علنًا؛ لأن بغداد، وباقي حواضر الإسلام، كانت تزخرُ بعلماء السنة من المحدثين والفقهاء وغيرهم. فقد قال المأمون مرة ليحيى بن أكثم وجماعة: لولا يزيد بن هارون لأظهرت أن القرآن مخلوق. فقال بعض جلسائه: يا أمير المؤمنين، ومن يزيد حتى يتقى؟! فقال: ويحك إني أخاف إن أظهرته فيرد علي، فيختلف الناس وتكون فتنة، وأنا أكره الفتنة (٣).

ويحيى بن أكثم من علماء السنة الذين كانوا يصحبون المأمون، وهو الذي أقنعه بالرجوع عن الإعتقاد بجواز نكاح المتعة بعد أن كان قد تبنى القول به. وأما يزيد بن هارون فقد توفي سنة (٢٠٦ هـ).

ومن ذلك الحين يقدر أن المأمون جعل يستعلن بهذه المقالة، ويعقد المجالس لمناقشتها، لأنه كان يسأل عن يزيد وموته باستمرار (٤).

ثم إن المأمون امتحن القضاة والفقهاء والمحدثين والمؤرخين بهذه المقالة، كما سير بعد قليل إن شاء الله.

* * *


(١) وفيات الأعيان ١/ ٢٧٧.
(٢) المناقب، ص ٣٨٥، السير ١١/ ٢٣٦.
(٣) المناقب ص ٣٨٦، السير ١١/ ٢٣٧.
(٤) السير ٩/ ٣٦٤.