للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٣ - حدوث كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وحدوث أمره ونهيه وخبره. ثم صاروا بعد ذلك يصرحون بان كلام الله مخلوق. وهو الذي كان سببًا في المحنة.

٤ - إن الله ليس بخالق لأفعال العباد الإختيارية، وكذلك أفعال الحيوانات الأخرى. ولأجل هذه المقالة سُمُّوا بالقدرية.

٥ - تنزيل الفاسق منزلة دون منزلة الإيمان وفوق منزلة الكفر. وبهذا اعتزلوا قول الأمة بأسرها، فسموا معتزلة لذلك (١).

وهناك مقالات عديدة متفرعة عما ذكرناه سببها الجدل الطويل الذي عرفوا به، والفلسفة التي اتخذوها وسيلة لجدلهم في الدين، وتكونت أصولهم بعد ذلك في خمسة أبواب، شرحها القاضي عبد الجبار الهمداني في كتاب كبير، وهي:

١ - التوحيد، ويجمع مسائل الصفات التي سبقت الإشارة اليها.

٢ - العدل، ومنه مقالاتهم في وجوب الثواب والعقاب والصلاح والأصلح على الله تعالى.

٣ - الوعد والوعيد، ومنه نتج قولهم بعدم الشفاعة، وعدم المغفرة لمرتكب الكبيرة ...

٤ - المنزلة بين المنزلتين، وهو سبب التلقيب بالمعتزلة.

٥ - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأنه محتم على جميع المسلمين، كل حسب استطاعته باللسان والسيف واليد كيف قدروا على ذلك (٢).

وبهذا يتبين لك أن الجهمية والمعتزلة شريكان في القول بخلق القرآن، لكن يجب أن تتنبه إلى الفرق بينهما في نشأة هذه المقالة بين صفوفهم، فالجهمية قالوا ذلك من أول يوم، والمعتزلة إنما حدث فيهم ذلك بعد مُضي زمن على نشأة فرقتهم بالبصرة.

وقد كان ينشر هذه المقالة ويدعو إليها ببغداد رجل من كبار المرجئة اسمه "بشر بن غياث المريسي" (ت ٢١٨ هـ)، وكان في أول أمره يتجه إلى الفقه، فجلس إلى أبي يوسف القاضي، وأخذ عليه وروى عنه الحديث وعن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة، ثم أخذ في تعاطي علم الكلام فانشغل به وأُشرب حبه، فنصحه الإمام الشافعي بتركه فلم يقبل منه. وقال الشافعي: لأن يلقى اللهَ العبدُ بكل ذنب ما عدا الشرك بالله أحب إليَّ من أن يلقاه بعلم الكلام.


(١) الفرق بين الفرق، ص ٩٣ - ٩٤.
(٢) مقالات الإسلاميين، لأبي الحسن الأشعري، ص ٢٧٨، ابن حنبل لأبي زهرة ص ١٣٥.