شديد، فيقول: على روايتين، أو: وجهين، أو: فيها روايتان، أو: وجهان، وتارة يقول: وعنه ... إلخ. ويعني بذلك: رواية أخرى عن أحمد غير التي قدمها. ولا يرجح بين الروايات في الغالب، بل يُطلقها، وكذلك في بعض الوجوه، وهذه من أهم ميزات "المقنع". وأحيانًا نجده يرجح بين وجوه الأصحاب، فيقول: والأول أصح، أو: في أصح الوجهين. ويشير إلى تفردات بعض مجتهدي المذهب؛ كالقاضي أبي يعلى وأبي الخطاب.
ونظرًا لوجود الخلاف مطلقًا في "المقنع"، فقد وُضعت عليه عدة طُرر وحواشٍ في تحرير الرواية، وتصحيح المذهب، فأصبح "المقنع" لا يُقرأ إلا مع تلك التنقيحات، وخصوصًا تنقيح محقق المذهب، العلامة علاء الدين المرداوي (ت ٨٨٥ هـ)، -رَحِمَهُ اللهُ-.
وتظهر قيمة "المقنع" بين كتب المذهب في انتداب ابن أخي المصنف إلى القيام بشرحه شرحًا عظيمًا، ورفده بالأدلة في كتابه "الشافي" والمشهور بـ"الشرح الكبير"، والذي يكاد يسامي "المغني" في الأهمية.
كما تظهر أيضًا في جعله عمدة الحنابلة من زمنه إلى يومنا هذا، فكسب شهرة تداني شهرة "مختصر الخرقي" قبله. فلهذا أفاضوا في شرحه، وتحشيته، وبيان غريبه، وتصحيحه، وتنقيحه وتوضيحه.
وتظهر من جهة ثالثة في أن المشايخ درجوا على إقرائه لمن ارتقى عن درجة المبتدئين بعد إقراء"العمدة" له.
• ما قيل في هذا الكتاب:
قال محقق المذهب ومنقحه في عصره علاء الدين المرداوي:"أما بعدُ، فإن كتاب"المقنع" في الفقه، تأليف شيخ الإسلام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، قدس الله روحه، ونوّر ضريحه، من أعظم الكتب نفعًا وأكثرها جمعًا، وأوضحها إشارة، وأسلسها عبارة، وأوسطها حجمًا، وأغزرها علمًا، وأحسنها تفصيلاً وتفريعًا، وأجمعها