للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن عجيب ما حكي عنه مما لا يشك فيه أنه كذب عليه، إذ كان موفقا بحمد الله رشيدًا أنه قال: من زعم أن القراءة مخلوقة، فهو جهمي، والجهمي كافر، ومن زعم أنها غير مخلوقة، فهو مبتدع، وكل بدعة ضلالة (١). واستمر في تحقيق المسألة.

ونكتة الأمر أنه قد التبس على الناس كون القرآن غير مخلوق، وكونه حين يتلى بالألسنة لا يتجلى إلا في حروف وأصوات لا يمترى في كونها مخلوقة، فلابد من الذب عن الإمام أحمد - رَحِمَهُ اللهُ- فيما نسب إليه من القول: بأن أوعية القرآن العزيز صارت غير مخلوقة بمجرد تجسد القرآن فيها، وذلك كالحروف والأصوات، والحبر والأوراق.

قأل الإمام البخاري في "خلق أفعال العباد" (ص ٤٣):

أما ما احتج به الفريقان لمذهب أحمد ويدعيه كلٌّ لنفسه، فليس بثابت كثيرٌ من أخبارهم، وريما لم يفهموا دقة مذهبه، بل المعروف عن أحمد وأهل العلم: أنَ كلام الله غير مخلوق، وما سواه مخلوق، وأنهم كرهوا البحث والتنقيب عن الأشياء الغامضة، وتجنبوا الكلام والخوض والتنازع إلّا فيما جاء فيه العلم، وبيَّنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وذكر ابن كثير عن البيهقي: أنه لما ترجم عقيدة الإمام أحمد في القرآن أنكر على من يقول: إن لفظه بالقرآن مخلوق يريد به القرآن. قال: وفيما حكى أبو عمارة وأبو جعفر، أخبرنا أحمد -شيخنا- السراج، عن أحمد بن حنبل أنه قال: اللفظ محدث، واستدل بقوله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨]. قال: فاللفظ كلام الآدميين. وروى غيرهما عن أحمد أنه قال: القرآن كيفما تصرف فيه غير مخلوق، وأما أفعالنا فهي مخلوقة (٢).

وقال الذهبي: الذي استقر عليه قول أبي عبد الله: أن من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع (٣). ثم قال:


(١) الإختلاف في اللفظ ص ٤٥، والحكاية المذكورة رواها اللالكائي في شرح السنة (١/ ٢/ ٣٥٥). والحلال في "السنة" ق ١٩٤ ب عن ابن زنجوية بإسناد صحيح، وأبو يعلى في "الروايتين والوجهين" ق ٢٥٢، والطبري في صريح السنة ٢٦.
(٢) البداية والنهابة ١٤/ ٣٨٤.
(٣) تاريخ الإسلام: حوادث ٢٤١ هـ - ٢٥٠ هـ، ص ٨٣.