للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الملفوظ كلام الله، وهو غير مخلوق، والتلفظ مخلوق؛ لأن التلفظ من كسب القارئ، وهو الحركة والصوت وإخراجُ الحروف، فإن ذلك مما أحدثه القارئ، ولم يُحدث حروفَ القرآن ولا معانيه، وانما أحدث نطقه به، فاللفظ قدر مشترك بين هذا وهذا، ولذلك لم يُجوِّز الإمام أحمد: لفظي بالقرآن مخلوق، ولا: غير مخلوق؛ إذ كل واحد من الإطلاقين موهِم. والله أعلم (١).

• وأما وصف القرآن بأنه قديم:

فمن المعلوم أن كلمة "قديم" اصطلاح فني استخدمه علماء الكلام للتعبير عن عدم السابقية أو عدم الأولية، فهم يقولون: الله قديم، على معنى: ليس لأوليته بداية، وأنه تعبير عن معنى قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {هُوَ الأَوَّلُ} [الحديد: ٢].

ومعلوم أن علم الله -عَزَّ وَجَلَّ- صفة يصدق عليها هذا الحكم، أعني كون علمه -عَزَّ وَجَلَّ- قديمًا لأنه صفة لذاته تعالى.

وأما كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ- فإنه قديم أيضًا، إذ لم يزل سبحانه متكلمًا لا أولية لذلك.

وأما القرآن الذي هو كلام الله -عَزَّ وَجَلَّ- المنزل على قلب نبينا المصطفى محمد - عليه الصلاة والسلام -، فهل يصدق عليه هذا الوصف باعتبار أنه من ذات الكلام القديم، أو لا يجوز أن يوصف بذلك، نظرًا لما تميز به من النزول والوحي به من السماء وغير ذلك؟.

فالذي ينسجم معه مذهب إمام السنة أن لا يوصف القرآن الكريم بأنه قديم على اعتبار أنه من لازم القول بكونه غير مخلوق، وذلك لأمرين:

الأول: أن السلف وصفوا القرآن بأنه غير مخلوق، ولم يصفوه بأنه قديم، ومذهب الإمام أحمد ينتهي عند السلف، لا يتجاوزهم.

الثاني: أن هذا الإطلاق فلسفي مستحدث عند علماء الكلام، والإمام أحمد لم يكن بالذي يتعاطى الكلام ويتسارع في استخدام مصطلحاته ليستغني بها عما عنده من الأثر الذي لا يحتاج معه إلى غيره.

وفي الختام نقول، كما قال الذهبي -رَحِمَهُ اللهُ-:


(١) المصدر السابق: ص ٨٦.