للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والخالة أخت الأم, وبنات الأخت وبنات الأخ فروع الأخوة، والآية وإن لم تكن نصًا في غير الأم والأخت إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين المراد منها بقوله: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب" متفق عليه (١)، وليس المراد تحريمَ ذواتهن, بل تحريمَ نكاحهن, وما يقصد به من التمتع بهن؛ لأن الذوات لا تحرم، بل التحريم للأفعال, وهذا من قبيل دلالة الاقتضاء، كما قال تعالى: {حُرِّمَّتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ} [سورة المائدة: ٣]؛ أي: أكلها, ومن هذا علم أن للرضاع مدخلًا في التحريم كالنسب.

ولو قال قائل: إن الآية مجملة, وليست صالحة للاستدلال؛ لأنه وإن كان ليس المقصود تحريم الذوات بل الأفعال؛ إلا أن الأفعال كثيرة, وليس أحدها بأولى من الآخر.

فالجواب: إن هذه الدعوى مدفوعة, وذلك لما يأتي: (٢)

١ - عدم التسليم بكون الآية مجملة تدل على تحريم جميع الأفعال، بل هي تدل على تحريم النكاح, والدليل على صحة هذا التقدير: الآية السابقة لها، وهي قول الله: {وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِنَ النِسَاءِ إلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [سورة النساء: ٢٢].

٢ - إن كل ما ورد في مثل هذا يحمل على المقصود منه عرفًا، كما حملت الميتة في قول الله تعالى: {حُرِّمَّتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ وَالدَّمُ} [سورة المائدة: ٣] على الأكل, والدم على تناوله.

وعودًا على ذي بدئ، فإلى جانب أدلة الكتاب العزيز، فقد بين مبدأَ التحريم الرضاعي النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وذلك حين استأذن عمٌّ لحفصة من الرضاعة أن يدخل في بيتها، فقال حين استنكرت عائشة - رضي الله عنهم -: "الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" متفق عليه (٣)، وقال في بنت أبي سلمة - رضي الله عنهم -: "إنها لابنة - ولفظ مسلم: ابنة - أخي من الرضاعة؛ أرضعتني وأبا سلمة ثويبةُ, فلا تعرِضْنَ علي بناتِكن ولا أخواتِكن" متفق عليه (٤)، ولما


(١) تقدم تخريجه عند الضابط الثاني في المبحث الثالث من التمهيد.
(٢) ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (٦/ ٥٥٣). الزمخشري: الكشاف (ص ٢٢٩).
(٣) تقدم تخريجه عند الضابط الثاني في المبحث الثالث من التمهيد.
(٤) البخاري: المصدر السابق، (كتاب النكاح - باب {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} ويحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب - ٧/ ٢٦)، برقم (٥٠٩١)؛ من طريق الحكم بن نافع، عن شعيب، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم حبيبة بنت أبي سفيان؛ به مرفوعًا. مسلم: المصدر السابق، (كتاب النكاح وإجابة الداعي - باب تحريم الربيبة وأخت المرأة - ٤/ ٧٧)، برقم (١٤٧١)؛ من طريق أبي كريب محمد بن العلاء، عن أبي أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن زينب، عن أم حبيبة؛ به مرفوعًا.

<<  <   >  >>