للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك: أن قول الله تبارك وتعالى: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [سورة البقرة: ٢٣٣]، وقوله: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [سورة البقرة: ٢٣٣] مفاده جواز الاجتهاد فيما يؤدي إلى صلاح الصغير ولو بتقليل مدة الرضاع إلى ما دون الحولين، وذلك موقوف على غالب ظنونهما حيث محط الشارع في أحكامه، لا على الحقيقة واليقين، وهذا المصلحة المقتضية للتخفيف بالشروط المذكورة لا تعود على الحكم الأصلي بالإبطال. (١)

وبأن هذه الجملة اتصلت بما قبلها بيانًا لمن توجه إليه الحكم؛ كقوله تعالى: {هَيْتَ لَكَ} [سورة يوسف: ٢٣]. (٢)

ويمكن أن يجاب: بأن "مَن" لا تقتضي التخيير على الدوام، كما قال الله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُر} [سورة الكهف: ٢٩]، وقال: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [سورة التكوير: ٢٨].

وبأن التقدير يحتمل أن يكون: ولمن أراد أن يتم الرضاعة بعد الحولين فله ذلك، ومع الاحتمال بطل الاستدلال.

٢ - قول الله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [سورة لقمان: ١٤]، وقوله: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [سورة الأحقاف: ١٥]؛ أي: وفطامه في انقضاء عامين، وترك ذكر الانقضاء اكتفاءً بدلالة الكلام عليه، وإذا انضم إليه أقل الحمل - وهو: ستة أشهر - كان حمل أمه إياه جنينًا في بطنها وفصالها إياه من الرضاع وفطمها إياه شربَ اللبن ثلاثون شهرًا (٣)، فذلك جرى مجرى الأخبار المقررة.

٣ - قول الله تعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلِدِهَا} [سورة البقرة: ٢٣٣]؛ قال مجاهد: لا تأبى أن ترضعه ا. هـ (٤)، كما لا يحل للأب أن يمنع الأم من ذلك. (٥)

٤ - قول الله تعالى ذكره: {وَعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [سورة البقرة: ٢٣٣]؛ قال غير واحد من السلف: الرضاع (٦)، فكان ذلك أمر إيجاب على وارث والدة الرضيع، كما أن


(١) ينظر: القرطبي: المصدر السابق، (٣/ ١٦٢، ١٦٣، ١٧١ - ١٧٢).
(٢) ينظر: الزمخشري: المصدر السابق، (ص ١٣٥). السمين الحلبي: الدر المصون (٢/ ٤٦٢).
(٣) ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (١٨/ ٥٥١، ٢١/ ١٣٨).
(٤) ابن جرير: المصدر السابق، (٤/ ٢١٥).
(٥) ينظر: القرطبي: المصدر السابق، (٣/ ١٦٧).
(٦) ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (٤/ ٢٢٨ - ٢٢٩، ٢٣١).

<<  <   >  >>