للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفراق، فأما وهي زوجته؛ فهي ترضع له؛ طائعة ومكرهة؛ إن شاءت وإن أبت ا. هـ (١)، فلما لم يكن له عليها أمر بعد فراقها ولا حق له في استيفاء منافعها، بل ربما كان الحق في ذلك لغيره؛ أمرها الله تعالى أن ترضع كما لو كانت في عصمة أبي الرضيع، وسماها بالوالدة استعطافًا، فقال: {وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ} [سورة البقرة: ٢٣٣]؛ لأن الفراق مظنة الإضرار والإيذاء الذي قد يتعدى إلى الولد بحرمانه من الرضاعة، ثم وصف الحولين للتأكيد بقوله: {كَامِلَيْنِ} [سورة البقرة: ٢٣٣]؛ غير أن أجرًا استحقته بذلك أن تؤتاه.

٦ - قول الله تعالى: {وَأْتَمِرُوْا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوْفٍ} [سورة الطلاق: ٦]، وهو خطاب للأزواج والزوجات في إرضاع الولد حتى لا يلحقه إضرار (٢)، وإذا كانت هذه الآية في البائنة المستأجرة التي لا نفقة لها ولا كسوة، فهو في الزوجة من باب أولى ووجه أحرى.

٧ - قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن الغامدية من الأزد بعدما تأكد عليها حد الزنى من المحصنات: "اذهبي، فأرضعيه حتى تفطميه"، وقوله: "لا نرجمها وندع ولدها صغيرًا ليس له من يرضعه"، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله؛ قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبيَّ إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها. رواه مسلم (٣)، ولولا وجوب إرضاع الوليد على أمه حتى الفطام؛ ما حكم - عليه الصلاة والسلام - بتأخير إقامة حد الله في المرضع حتى الفطام، ولا نهى عن رجمها؛ في قوله: "لا نرجمها". (٤)

ونوقش بما يأتي: أ- إن النبي - صلى الله عليه وسلم - رجمها قبل أن تفطمه بعدما كفل رضاعه رجل من الأنصار. (٥)


(١) ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (٢٣/ ٦٨).
(٢) ينظر: القرطبي: المصدر السابق، (١٨/ ١٦٩).
(٣) مسلم: المصدر السابق، (كتاب الحدود - باب حد من اعترف على نفسه - ٤/ ٤٥١، ٤٥٢ - ٤٥٣)، برقم (١٧٤٠)؛ من طريق محمد بن العلاء الهمداني، عن يحيى بن يعلى، عن غيلان، عن ابن جامع المحاربي، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه؛ به مرفوعًا، ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة، عن عبد الله بن نمير، ومحمد بن عبد الله بن نمير - وتقاربا في لفظ الحديث -؛ عن أبيه، عن بشير بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه؛ به مرفوعًا.
(٤) ينظر: القرافي: المصدر السابق، (٤/ ٢٧١).
(٥) ينظر: النووي: شرح صحيح مسلم (١١/ ٢١١).

<<  <   >  >>