للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا ينقضي إيجاب الرضاعة على أم المولود حتى يبلغ الرضيع الحولين أو يستغني بالطعام عن الرضاع، فإذا استغنى بالطعام عن الرضاع يحيث لا يشبعه الحليب وحده؛ لم يجب الإرضاع عل الأم، ولا رضاع يحرِّم حالتئذ بعد فصال.

وحيث كان مقصود الشريعة طلب نفع الرضيع المولود وتحقيق مصلحته؛ جاز فطامه دون الحولين إذا كان ثم تراضٍ من الوالدين وتشاور مع انتفاء إرادة الإضرار؛ لأن تلك الشروط مظنة تحقيق المصلحة الراجحة للرضيع ودرء ما يضر به، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [سورة البقرة: ٢٣٣]، ودليل مراعاة ضرر الرضيع قول الله تعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلِدِهَا وَلَا مَوْلُوْدٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [سورة البقرة: ٢٣٣]. (١)

فإن تواطأ الوالدان على رأي يرضون به، مع ما يكون في ذلك من السؤال والمشورة والنظر في حال الطفل؛ يغلب معه تحقق مصلحة المولود، من دون أن تزيغ نفس أحد الوالدين بهوى نفساني أو وسواس شيطاني، ومن دون أن يكون ذلك ارتجالًا منهما من دون إعمال فكر أو اسخبار بشورى.

فأما إن أراد أحد الأبوين الفصال - أي: الفطام - دون الآخر، أو كان في الفصال ضرر على الرضيع؛ من مرض، أو ضعف بنية، أو كونه لا يقبل الطعام؛ وجب إتمام الرضاعة. (٢)

وللمولود لها على المولود له النفقة الواجبة المعتادة في حال الرضاع وغيره؛ لقول الله تعالى: {وَعَلَى المَوْلُوْدِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمَعْرُوْفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} [سورة البقرة: ٢٣٣] (٣)، ولو نقص الاستمتاع بها؛ لأن هذا أمر جِبِلِّي؛ فهل تسقط النفقة إذا كانت حائضًا لنقص الاستمتاع بها حينئذ؟ ، ولو كانت لها أجرة زائدة على نفقتها مقابل الرضاع لبينت الشريعة دليل هذه الدعوى، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [سورة مريم: ٦٤]، اللهم إلا أن تكون مطلقةً ثلاثًا، أو أتمت عدة الطلاق الرجعي بوضع المولود؛ فلها أجرها على رضاعها ما وُلد له


(١) ينظر: عبد الرزاق: المصدر السابق، (٧/ ٥٧ - ٥٨). ابن حزم: المصدر السابق، (١٠/ ٤٣٥).
(٢) ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (١٠/ ٤٣٥).
(٣) ينظر: ابن حزم: المصدر السابق، (١٠/ ٤٣٠، ٤٣٦).

<<  <   >  >>