للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥ - إن مفهوم وصف الله تعالى لمن آمن به يقتضي أن لا تؤاجر المؤمنة نفسها من كافرة لإرضاع ولدها، وذلك في مثل قول الله تعالى: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [سورة المائدة: ٥٤]؛ من قول القائل من العرب: قد عزَّني فلان؛ إذا أظهر له العزة من نفسه، وأبدى له الجفوة والغلظة (١)، وقوله سبحانه: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [سورة الفتح: ٢٩].

- الترجيح: جواز إرضاع ولد الكافر (٢) على سبيل التبرع أو المعاوضة إذا لم يكن حربيًّا، ولم يكن في ذلك استعلاء من الكافر على المسلم؛ لقول الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة الممتحنة: ٨ - ٩]، وفي المتفق عليه (٣) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى طعامًا من يهودي إلى أجل، ورهنه درعًا من حديد، ولا يزال المسلمون يتعاملون مع من لا يدين بالإسلام في الأمور الدنيوية (٤)، والمعاوضة في الإجارة فرع عن ذلك؛ كالمعاوضة بالبيع.

فإن قيل: إنما نزلت الآية الثامنة من سورة الممتحنة في غير المشركين من المؤمنين الذين بمكة ولم يهاجروا، فأذن الله للمؤمنين ببرهم والإحسان إليهم. (٥)


(١) ابن جرير: المصدر السابق، (٨/ ٥٢٧ - ٥٢٨).
(٢) وقد حكي الاتفاق على تسمية اليهود والنصارى كفارًا، واختلفوا في تسميتهم مشركين.
ينظر: ابن حزم: مراتب الإجماع (ص ٢٠٢).
(٣) البخاري: المصدر السابق، (كتاب البيوع - باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة، وباب شراء الطعام إلى أجل - ٣/ ١٦٥، ٢٢٧، كتاب الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس - باب من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه أو ليس بحضرته، كتاب السلم - باب الرهن في السلم - ٣/ ٢٥٢، كتاب الرهن في الحضر - باب من رهن درعه - ٣/ ٤٢٠)، برقم (٢٠٧٦، ٢٢٠٩، ٢٢٦٥، ٢٣٩٨، ٢٥٢٣)؛ من طريق معلَّى بن أسد، ومحمد بن محبوب، ومسدَّد؛ عن عبد الواحد، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى طعامًا من يهودي إلى أجل - زاد ابن محبوب في روايته: معلوم -، ورهنه - ولفظ رواية ابن محبوب: وارتهن منه - درعًا من حديد - ولفظ مسدد: فرهنه درعه - ا. هـ، ومن طريق عمر بن حفص بن غياث، عن أبيه، عن الأعمش؛ به، بلفظ مسدد.
(٤) ينظر: أ. د. عبد الله بن عبد العزيز الجبرين: شرح تسهيل العقيدة الإسلامية (٦٢٨ - ٦٢٩).
(٥) ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (٢٢/ ٥٧١).

<<  <   >  >>