للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجيب: بأن الله عزَّ وجلَّ عمَّ بقوله: {الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ} [سورة الممتحنة: ٩]، جميع من كان ذلك صفتَه، ولم يخص به ملة دون أخرى (١)، وبأن ما روي في هذه الآية من أسباب النزول لا يشهد لتلك الدعوى المخصصة، ولو كان سبب النزول دالًّا على ذلك لصار الاعتبار بعموم اللفظ من دون قصره على خصوص سببه أو محل وروده آنذاك فحسب؛ لأن أحكامَ الإسلامِ في النصوص شريعة.

وإن قيل: إن الآية الثامنة من سورة الممتحنة منسوخة بالأمر بقتال غير المسلمين حين أمروا أن يرجعوا إليهم بالسيوف ويجاهدوهم بها. (٢)

أجيب: بأنه لا معنى لقول من يقول بنسخ الآية؛ لأن برَّ المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب؛ غير محرم، ولا منهيٍّ عنه؛ إذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب على عورةٍ لأهل الإسلام، أو تقوية لهم بكراع أو سلاح (٣). وبأن دعوى النسخ لا دليل عليها، لا سيما وقد أمكن الجمع والتوفيق فيما بين الناسخ والمنسوخ - زعمًا -.

- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة أثر في الفروع الآتية:

١ - يجوز لبنوك الحليب بيعُ حليب المسلمة على غير المسلمة؛ تخريجًا على قول الحنفية، ويحرم؛ تخريجًا على قول بعض الحنابلة، ويحرم بيعه لغير الكتابية تخريجًا على مذهب الحنابلة.

- سبب الخلاف: يعود سبب الخلاف في هذه المسألة إلى الآتي:

١ - هل إجارة المسلم نفسه من الكافر داخلة في معنى التولي أو الموالاة المنهي عنها، أو مخالفة لمعنى البراء من الكافرين؟

فمن قال: إن ذلك من تَولِّيهم؛ لأنه صار له بالإجارة نصيرًا ووليًّا، والله سبحانه نهى أن يتخذ المؤمنون الكفارين أعوانًا وظهورًا وأوِدَّاء في مثل قوله: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [سورة آل عمران: ٢٨]، وإن مقتضى البراءة من الشرك البعدُ عن أهله وبغضُهم وعداوتُهم، ولو كان قريبًا؛ كما قال


(١) ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (٢٢/ ٥٧٤).
(٢) ينظر: عبد الرزاق: تفسير القرآن (٢/ ٢٨٧). ابن جرير: المصدر السابق، (٢٢/ ٥٧٣).
(٣) ينظر: ابن جرير: المصدر السابق، (٢٢/ ٥٧٤).

<<  <   >  >>