للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١١ - إن إنشاء هذه البنوك في البلاد النامية قد يتحول مع الوقت إلى تجارة، وتضطر المعدمات الفقيرات إلى بيع لبنهن وترك أولادهن للمسغبة أو لمستحضرات الألبان الصناعية؛ بل إن واقع بنوك الحليب في بلاد الغرب قائم على شراء الحليب من الأمهات. (١)

١٢ - إذا انتشرت هذه البنوك فيحتمل أن تتقاعس الأمهات المترفات السليمات والقادرات على الرضاعة عنها لأسباب تافهة؛ كالمحافظة على الجمال أو العمل، واستبدال ذلك بالحليب الإنساني المأخوذ من بنوك الحليب؛ على اعتبار أنه يمثل اللبن الإنساني المطلوب، والأفضل بكثير من لبن الأبقار والجواميس والغنم. (٢)

ويمكن أن يناقش بما يأتي: أ- إن ذلك في المقابل قد يفتح لمن مات ولدها بابًا لنفع أطفال المسلمين، مع التخلص من أضرار بقاء الحليب في الثدي، وكذلك من فاض حليب ثديها على أطفالها.

ب - إن الكلام هنا ينبغي أن يكون جاريًا على الأصل في حكم المسألة، وأما ما يعرض لها من صور وجزئيات ومستثنيات فخارج عن التقرير الحُكمي الأصلي؛ لأن أصل تقرير الفقهاء لأحكام المسائل مبني على الأحوال الظاهرة والمعتادة، وأمّا ما ينتابها من العوارض؛ فلا يلزم الفقيه أن يقيَّد بها تصريحًا؛ لأنها غير متناهية، وتفصيلكم هذا يشابه قول بعض أنصاف المتعلمين في حكم القيام على المصلي: الصحيح أنَّ القيام ركنٌ إن قدر عليه، وليس بركن إن لم يقدر عليه! ولو أجري الخلاف بهذه الطريقة لقلبت المسألة تقليبًا لا وجه له ولا معنى، وإذا ذكر الفقهاء في فتاويهم بعض العوارض في المسائل فربما تُوُهِّم أنها قولٌ جديد في المسألة، وليس الأمر كذلك، وإنما يحوج إليها لأنه يذكرها غالبًا في الفتوى لعوام المسلمين، وقد يخفى عليهم مثل ذلك، وهذا هو المعنى الذي نبه عليه تقي الدين ابن تيمية في قوله: مِن فصيح الكلامِ وجيِّدِه الإطلاقُ والتعميمُ عند ظهور قصد التخصيص والتقييد، وعلى هذه الطريقة الخطابُ الواردُ في الكتاب والسنة وكلام العلماء؛ بل وكلِّ كلامٍ فصيح، بل وجميع كلام الأمم؛ فإن التعرُّضَ عند كلِّ مسألةٍ لقيودها وشروطها تَعَجْرُف وتكلُّف، وخروج عن سَنَن البيان، وإضاعةٌ للمقصود، وهو يُعَكِّر على مقصود البيان بالعكس؛ فإنه إذا


(١) ينظر: د. أمل الدباسي: المصدر السابق، (٢٦/ ٤٧٩).
(٢) ينظر: د. أمل الدباسي: المصدر السابق، (٢٦/ ٤٧٩).

<<  <   >  >>