للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وشُرحت, وتيسرت السبل إلى معرفة الحكم على الأحاديث وطرق الشواهد والاعتبار, ودُوّن الفقه وأصوله والعربية, وقربت هذه العلوم إلى الفهوم, وتيّسرت وسائل طباعة الكتب وانتشاره, وحفظ المعلومات واسترجاعها؛ حتى لم يبقَ إلا التشمير لبلوغ هذا المنصب من قبل فريق من الأمة؛ استعدادًا لمواجهة النوازل, وذلك فرض لا يجوز تركه حتى لا يخلو عصر من قائم لله تعالى بالحجة؛ يقول بعض علماء القرن السابع - في إمكان وجود الاجتهاد المطلق -: ومنذ زمن طويل عُدِمَ الاجتهاد المطلق, مع أنه الآن أيسر منه في الزمن الأول؛ لأن الحديث والفقه قد دُوِّنا, وكذا ما يتعلق بالاجتهاد من الآيات والآثار وأصول الفقه والعربية وغير ذلك, لكن الهمم قاصرة, والرغبات فاترة, ونار الجد والحذر خامدة, اكتفاء بالتقليد, واستغناء من التعب الوكيد, وهربًا من الإثقال, وأربًا في تمشية الحال وبلوغ الآمال ولو بأقل الأعمال, وهو فرض كفاية قد أهملوه وملوه, ولم يعقلوه ليفعلوه ا. هـ (١)

وقد تولى ربنا هذا المقام بنفسه في مثل قوله جل ذكره: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِسَاءِ؛ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} [سورة النساء: ١٢٧]، وقوله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ؛ قُلِ الله يُفْتِكُمْ فِي الكلَالَة} [سورة النساء: ١٧٦].

ولا أدل في هذا المقام من أن يتولى سبحانه مقام الإفتاء والنظر في النوازل؛ إلا فضل هذه المنزلة وعظيم شأنها، وذلك لشرف المتعلق، وكفى بذلك فضلًا وشرفًا.

ومما يزيد هذا النوع من التبيان لأحكام الشرع فضلًا وأهمية؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد انتصب لها حين كان تصرفه بالفتيا وإجابة السائلين عما ينزل بهم يشغل كثيرًا من أحواله - عليه الصلاة والسلام -.

ولم يقف الصحابة - رضوان الله عنهم - وتابعوهم ومن سار على هديهم من الأئمة والمجتهدين؛ أن ينهجوا هذا الطريق بالتبليغ والبيان والتعليم، مع معالجة ما يستشكل من النصوص؛ مما يؤكد منزلة هذا النوع من الاجتهاد والنظر في الإسلام. (٢)


(١) ابن حمدان: صفة الفتوى والمفتي والمستفتي (ص ١٧). وقال الألباني: بعض الفقهاء المقلدين القائلين: إن الاجتهاد انقطع منذ القرن الرابع، فليس إلا التقليد؛ هم أحيانًا يجتهدون، وليت أنهم يجتهدون، وأنى لهم الإصابة وهم فعلًا مقلدون؛ لا يعرفون كيف يجتهدون؛ لأنهم ليس وسائل الاجتهاد، ومنها السنة، وتمييز صحيحها من ضعيفها، ومعرفة أصول الفقه، وغير ذلك من الوسائل المعروفة عند أهل العلم ا. هـ ينظر: الألباني: المصدر السابق، (١/ ٣٥٣).
(٢) ينظر: د. مسفر القحطاني: المصدر السابق، (٢٦١ - ٢٦٢).

<<  <   >  >>