للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وذلك أن النصوص التي يستشكل ظاهرها لم تقع قي الكتاب والسنة عفوًا، وإنما هو أمر مقصود شرعًا؛ ليبلو الله ما في النفوس، ويمتحن ما في الصدور، وييسر للعلماء أبوابًا من الجهاد يرفعهم به درجات. (١)

والبحث في فقه النوازل هو الترجمة العملية الواقعية للفقه الإسلامي؛ بحيث يظهر إيجابية الفقه في معالجة ما يستجد من أمور الحياة.

فإن الحاجة للفتوى متجددة كلما تجدد الزمان, وتعاقب الجديدان, فالوقائع والحوادث بصمات لسير الحياة على صفحة هذا الكون الفسيح, وكلما وقعت واقعة احتيج معها إلى فتوى.

وحاجتنا للفتوى في النوازل الواقعة لا تنقص أهمية عن الحاجة إلى المطاعم والمشارب؛ فبالطعام والشراب يستقيم أمر المعاش المادي في الدنيا, وبالحكم الشرعي يستقيم أمر الدنيا والآخرة.

وأمر الفتوى ومكانتها في الدين؛ عظيم, جليل القدر والرتبة, ولن يقوم بحقها إلا من شدا طرفًا من علوم الإسلام, ونهل من مصادره العذبة؛ حتى ارتوى وصار ريَّانًا, وكان على قدر من التقوى والورع والاستقلالية في الرأي والتجرد، وعلى اطلاع بواقع الأمة, وحال النوازل العصرية التي هو بصدد البحث فيها؛ حتى تكتمل مقومات الفتوى لديه.

وقد جعل الله سبحانه معالجة النوازل لأهل الاستنباط؛ ليستمدوا ذلك من الكتاب والسنة والقواعد والأصول المقررة منها؛ فقال عز من قائل: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أو الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهْ وَلَو رَدُوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُم لَعَلَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [سورة النساء: ٨٣].

وهذا من العمل المناط بهم، والعمل روح العلم الذي هو عارية وغير منتفع به ولا مطلوب - أي: العلم - إلا من جهة ما بتوسل به إليه، وهو العمل؛ قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ


(١) المعلمي: الأنوار الكاشفة (ص ٣٠٨).

<<  <   >  >>