للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عِبَادهِ العُلَمَاء} [سورة فاطر: ٢٨] (١)، وفي هذا الصدد بوب البخاري في كتاب العلم من صحيحه (٢): بابَ الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله.

والوقائع التي تحدث في هذا الكون ليست على شاكلة واحدة؛ فمنها ما سبق وقوعه وسبق تبعًا لذلك البحث فيه, ومنها ما لم يقع من قبل ولم يسبق البحث فيه وهو ما يطلق عليه مصطلح النازلة, فهذه النازلة الجديدة غير المنصوص عليها تعتبر مشكلة تتطلب حلًّا, وحلها هو إصدار الفتوى فيها وتبيين الحكم الشرعي اللازم لها؛ ما دام البحث فيها داخلًا في العلم النافع المرشد إلى الخير، فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك؛ فإنه من العلم النافع. وما سوى ذلك؛ فإما أن يكون ضارًّا، أو ليس فيه فائدة لقول الحق جل ذكره عن موسى للخضر: {أَنْ تُعَلِمَنِ ممَّا عُلِمْتَ رُشْدًا} [سورة الكهف: ٦٦]. (٣)

هذا، وإن الإفادة من التراث الفقهي من المهمات أثناء الاجتهاد في فقه النوازل، وهو ما قرره الفقهاء من أحكام اجتهادية مستفادة من الأدلة الشرعية، ولا يدخل في ذلك الإجماع القطعي والنصوص الشرعية الصريحة, فهي حجة بذاتها, ومعصومة من الخطأ.

ولقد قرر فقهاء الإسلام أحكامًا فقهية كثيرة وحرروها حتى تناقلتها الأجيال في مدونات مشتهرة, وتعاقبوها بالمراجعة والتمحيص, وكانت هذه المدونات ذخيرة فقهية ضخمة لا يستغني عن مطالعتها طالب العلم مهما علا قدره في الفقه واشتد ساعده فيه, والإعراض عنها ربما أدى بالفقيه إلى التخبط وخرق الإجماع, وفي مراجعتها والاستعانة بها في تقرير الأحكام اختصار لطريق طويل ربما سلكه الفقيه للاجتهاد في المسألة وهي مقررة محررة بأدلتها واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.


(١) ينظر: الشاطبي: المصدر السابق، (١/ ٧٥، ٨٥).
(٢) (١/ ٢٦٠).
(٣) ينظر: الشيرازي: اللمع في أصول الفقه (ص ٢٤٩ - ٢٥٠). السعدي: تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ضمن مجموع مؤلفات الشيخ العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي. (٢/ ٦٨٠).

<<  <   >  >>