للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا كان الأمر كذلك، فهناك صور لا يُقَلَّدُ فيها ولا يلتزم فيها بمذهب، وترجع في جملتها إلى ما يأتي: (١)

١ - ما كان مخالفًا للكتاب والسنة، معدودًا من زلل العلماء.

٢ - ما كان مبنيًّا على مناط متغيِّر.

٣ - ما كان مرجوحًا دل الدليل على خلافه.

وما أنصف ابن عاشور إذ يقول مبينًا أهمية التراث العلمي وكيف يتعامل معه: ولقد رأيت الناس حول كلام الأقدمين أحد رجلين: رجل معتكف فيما أشاده الأقدمون, وآخر آخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون, وفي كلتا الحالتين ضُرٌّ كثير, وهناك حالة أخرى يجبر ربها الجناح الكسير, وهي أن نعمد إلى ما أشاده الأقدمون فنهذبه ونزيده, وحاشا أن ننقصه أو نبيده؛ عالمًا بأن غمض فضلهم كفران للنعمة, وجحد مزايا سلفها ليس من حميد خصال الأمة ا. هـ (٢)

وقد حكى عياض عن أبي العباس الإبِّياني أنه دخل عليه عطية الجزري العابد، فقال له: أتيتك زائرًا ومودعًا إلى مكة. فقال له أبو العباس: لا تخلنا من بركة دعائك، وبكى، وليس مع عطية ركوة ولا مزود، فخرج مع أصحابه, ثم أتاه بأثر ذلك رجل، فقال له: أصلحك الله! عندي خمسون مثقالًا ولي بغل؛ فهل ترى لي الخروج إلى مكة؟ فقال له: لا تعجل حتى توفر هذه الدنانير. قال الراوي: فعجبنا من اختلاف جوابه للرجلين مع اختلاف أحوالهما. فقال أبو العباس: عطية جاءنى مودعًا غير مستشير، وقد وثق بالله تعالى، وجاءني هذا يستشيرني ويذكر ما عنده؛ فعلمت ضعف نيته، فأمرته بما رأيتم. (٣)

فهذا إمام من أهل العلم أفتى لضعيف النية بالحزم في استعداد الأسباب والنظر في مراعاتها، وسلم لقوي اليقين في طرح الأسباب؛ بناء - والله أعلم - على مظان النظر الفقهي، ولذلك يختلف الحكم باختلاف الناس في النازلة الواحدة (٤)، كما أنه - أي: الحكم - يختلف باختلاف ما يجِدُّ في الحياة من نظم واقتراحات ناجمة عن طبيعة التطور في الحياة.


(١) ينظر: آل خنين: المصدر السابق، (١/ ٣٧٣ - ٣٧٤).
(٢) ابن عاشور: تفسير التحرير والتنوير (١/ ٧).
(٣) ينظر: الشاطبي: المصدر السابق، (١/ ٣٣٢).
(٤) ينظر: الشاطبي: المصدر السابق، (١/ ٣٣٢).

<<  <   >  >>