للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمجتهد في النظر إلى النازلة لا بد له مع التحصيل العلمي والملكات الفطرية من فطنة وذكاء وملكة فقهية ناضجة التمرس في هذا العمل، وما ذاك إلا لأن النفس يصير لها فيما تعانيه من العلوم والحرف والصناعات ملكاتٌ يُدرك بها الأصلي والعارض في تلك العلوم والحرف والصناعات؛ لكثرة نظره فيها، وإتقانه لأصولها ومآخذها، لكن لا بد له من صحة الأصل والمأخذ (١)، وقبل ذلك وأثناءه سؤال الله المعونة والرشد والتوفيق.

كما على الفقيه عند النظر في النازلة الفقهية مراعاة الخاص من الأدلة والنظائر؛ فيقدمها على غيرها؛ من الأصول والقواعد، والضوابط العامة المقتضية للإباحة والصحة.

وإلى جانب ذلك؛ مراعاة الأدلة المانعة بطريق التحقق من القواعد والأصول المانعة؛ قبل إلحاق المسألة بالأصول العامة.

ولا مانع من الاستفادة من الأدلة العقلية في العلم الشرعي؛ إذا كانت مركبة عل الأدلة السمعية، أو معينة في طريقها، أو محققة لمناطها، أو ما أشبه ذلك؛ مما لا تستقل بدلالتها فيه؛ لأن النظر فيها نظر شرعي، والعقل ليس بشارع. (٢)

وعليه أن يراعي أيضًا الاستثناء والفروق والعوارض التي توجب عدم إلحاق الفرع بالفرع النظير أو القاعدة العامة عند التخريج. وإذا تجاذب المسألة أو الفرع أصلان، فليُلْحَق الفرع بأكثر الأصلين شبهًا به.

وهو في هذا السياق عليه أن يتحرى الدقة، ويجدد النية، ويسأل الله سبحانه التوفيق وإلهام الصواب؛ لأن فروع كل علم إذا انتشرت، وانبنى بعضها على بعض؛ اشتبهت، وربما تصوِّر تفريعها على أصول مختلفة في العلم الواحد، فأشكلت، أو خفي فيها الرجوع إلى بعض الأصول، أو تعارضت وجوه الشبه، فتشابه الأمر، وذهب على العالِم الأرجح من وجوه الترجيح، ولذلك؛ قال تقي الدين ابن تيمية ت ٧٢٨ هـ: البحث عن العلم من الجهاد، ولا بد في الجهاد من الصبر ا. هـ (٣)


(١) ينظر: آل خنين: المصدر السابق (١/ ٤٣٤).
(٢) ينظر: الشاطبي: المصدر السابق، (١/ ٢٧).
(٣) ابن قاسم: المصدر السابق، (١٠/ ٣٩).

<<  <   >  >>