للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصلاة والسلام -: "ألا ليبلغ الشاهدُ الغائب" (١)، فالمفتي مخبر عن الله كالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وموقع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره كالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ونافذ أمره في الأمة بمنشور الخلافة كالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك سموا بأولي الأمر، وقرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: {يَا أيُّهَا الْذِينَ آمَنُوْا أَطِيعُوْا اللهَ وَأطِيعُوْا الرَّسُوْلَ وَأُوْلِيْ الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [سورة النساء: ٥٩] (٢).

ولا يعني ذلك بحال افتراض سلامة المفتي من الخطأ ألبتة؛ لأن فروع كل علم إذا انتشرت وانبنى بعضها على بعض اشتبهت، وربما تُصوِّر تفريعها على أصول مختلفة في العلم الواحد فأشكلت، أو خفي فيها الرجوع إلى بعض الأصول؛ فأهملها المجتهد من حيث خفيت عليه، وهي في الأمر نفسه على غير ذلك، أو تعارضت وجوه الشبه فتشابه الأمر؛ فيذهب على العالم الأرجحُ من وجوه الترجيح, وأشباه ذلك؛ فلا يقدح في كونه عالمًا، ولا يضر في كونه إمامًا مقتدى به، فإن قصر عن استيفاء الشروط؛ نقص عن رتبة الكمال بمقدار ذلك النقصان؛ فلا يستحق الرتبة الكمالية ما لم يكمل ما نقص. (٣)

وفي ظل التقدم التقني, والتوسع العمراني, وتقارب المجتمعات, وسرعة المواصلات, وسهولة الاتصالات, وتنوع وسائل المعاش, وتعدد طرق اكتساب الرزق, والتقدم المذهل في المجال الطبي, ظهرت كثير من القضايا الفقهية التي لم تعهد في عصور التأليف الفقهي، ولم يتعرض لها الفقهاء السابقون, كما برزت حقائق جديدة في كثير من المسائل التي بحثها الفقهاء الأولون, لم تكن معروفة في زمانهم, وتغيرت أحوال بعض المسائل من جهة أسبابها ومآلاتها, وسائر الصفات التي لها مدخل في تحقيق مناط الحكم فيها؛ الأمر الذي استدعي إعادة النظر فيها وفق تلك المعطيات.


(١) ينظر: البخاري: المصدر السابق، (كتاب غزوة العُشيرة أو العُسيرة- باب حجة الوداع - ٥/ ٤٤٦)، برقم (٤٣٨٧). و (كتاب الأضاحي - باب من قال: الأضحى يوم النحر - ٧/ ٢٨٧) برقم (٥٥٤٦). و (كتاب التوحيد - باب قول الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرةٌ - إلى ربها ناضرة} [سورة القيامة: ٢٢ - ٢٣]- ٩/ ٣٥٨) برقم (٧٤٤٣)؛ من طريق محمد بن المثنى، ومحمد بن سلام؛ عن عبد الوهاب، عن أيوب، عن محمد، عن ابن أبي بكرة، عن أبي بكرة - رضي الله عنه -؛ به مرفوعًا.
(٢) الشاطبي: المصدر السابق، (٥/ ٢٥٨).
(٣) ينظر: الشاطبي: المصدر السابق، (١/ ١٤٠ - ١٤١).

<<  <   >  >>