للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثاني: نوازل أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنها ستقع في المستقبل, ومثلها ما تحدث عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في أخبار الدجال حيث يقول عن لبثه في الأرض: "أربعون يومًا؛ يوم كسنة, ويوم كشهر, ويوم كجمعة, وسائر أيامه كأيامكم". فقال الصحابة - رضي الله عنهم -: يا رسول الله! أرأيت اليوم الذي كالسنة؛ أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا؛ اقدروا له قدره" (١).

الثالث: نوازل لم تقع، ولكن الفقهاء تحدثوا عنها، وأفتوا فيها على سبيل الافتراض.

الرابع: نوازل لم تحدث من قبل ولم يشر إليها الفقهاء.

وهذا النوع هو الذي يصدق عليه إطلاق مصطلح "النازلة"؛ لأنها تكون بمعنى الأمر العظيم والخطب الشديد الذي ينزل بالناس, فيحتاجون لرفعه عنهم أن يُبَيَّن الحكم الشرعي فيه.

وإن كان إصدار الفتوى وتبيين الحكم الشرعي في مسألة ما؛ أمر خطير, ليس من السهل الولوج فيها واقتحامه, ومن أفتُي بغير علم فإثمه على من أفتاه؛ لأن المفتي بمثابة الموقع عن رب العالمين في دلالته على حكم الله في النازلة كما ذكر ذلك أبو عبد الله ابن قيم الجوزية الذي وسم كتابه بإعلام الموقعين عن رب العالمين للإشارة على هذا المعنى؛ أما الشاطبي فيقول: المفتي قائم في الأمة مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - ا. هـ (٢)، ثم استدل على ذلك بقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "العلماء ورثة الأنبياء, وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا؛ ورثوا العلم" (٣)، كما أن المفتي نائب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في تبليغ الأحكام لقوله - عليه


(١) مسلم: المسند الصحيح (كتاب الفتن - باب في الدجال وعظيم فتنته ولبثه في الأرض ونزول عيسى بن مريم عليه السلام وقتله إياه وخروج يأجوج ومأجوج وإهلاكهم وإخراج الأرض بركتها بعدهن - ٧/ ٣٣٧) برقم (٣٠٥٧)؛ من طريق أبي خيثمة زهير بن حرب، ومحمد بن مهران الرازي - واللفظ له -؛ عن الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن يحيى بن جابر الطائي قاضي حمص، عن عبد الرحمن بن جبير، عن أبيه جبير بن نفير الحضرمي، عن الوانس بن سمعان الكلابي - رضي الله عنه -؛ به.
(٢) الشاطبي: المصدر السابق، (٥/ ٢٥٣).
(٣) أبو داود: السنن (كتاب العلم - باب الحث على طلب العلم - ٦/ ٥) برقم (٣٥٩٦)؛ من طريق مسدد، عن عبد الله داود، عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن داود بن جميل، عن كثير بن قيس، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -؛ به. وأورد البخاري الجزء الأول منه طرفًا في اسم الباب العاشر من كتاب العلم. ينظر: البخاري: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسننه وأيامه (١/ ٢٤٣).

<<  <   >  >>