للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونوقش بما يأتي:

أ- عدم التسليم بالعموم، وإنما كان يصح الاحتجاج بالعموم لو قال: واللاتي أرضعنكم أمهاتكم، فأما قوله: {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [سورة النساء: ٢٣]؛ فالواجب أن لا يثبت أنها أم؛ حتى يثبت الرضاع (١)؛ لأن الحكم في التنزيل مقتصر على معنى التحريم في الأم بالرضاعة إثباتًا، وأما ما تثبت به الأمومة بالرضاعة فمبحث آخر.

وأجيب عنه: بأن ذلك جهل من قائله بموضوع اللفظ؛ إذ لا فرق بين قوله: واللاتي أرضعنكم أمهاتكم، وقوله: وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم؛ إذ كان كونها أمًّا في هذا الوجه ليس هو معنى غير الرضاع، وإنما كان يجب ما يقول لو كانت الأمومة بمعنى غير الرضاع، وأما إذا كان هذا اسمًا مستفادًا من الرضاع، وليس هو شيئًا غيره؛ فلا فرق بين تقديم الأم في اللفظ، وتقديم ذكر الرضاع. (٢)

ب - على فرض التسليم بالعموم؛ فقد جاء ما يخصصه من السنة الصحيحة كما في صحيح مسلم؛ أن رجلًا قال: يا رسول الله!؛ هل تحرم الرضعة الواحدة؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا" (٣)، وأما الأخذ بنص من دون الالتفاف إلى ما سواه؛ فهو يشبه الأخذ بقول الله سبحانه: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [سورة المائدة: ٣٨]، والقطع حتى فيما دون ربع الدينار، وحتى في السرقة من غير الحرز، والأخذ بقول الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [سورة النور: ٢]، من دون رجم الثيب، ولذلك؛ استدللنا بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن المراد بتحريم الرضاع بعض المرضعين دون بعض، لا من لزمه اسم رضاع. (٤)

ج - هذا كقوله: وأمهاتكم اللاتي كسونكم، وأمهاتكم اللاتي أعطينكم؛ فيحتاج أن يثبت الإعطاء والكسوة حتى تعلم به الأم. (٥)

وأجيب عنه: بعدم التسليم؛ لأنها لا تصير أمًّا بالكسوة والإعطاء، ولا يكتسب هذا الاسم بهما، وذلك أن الأمومة شيء غيرهما؛ فاحتيج من أجل ذلك أن تثبت الأمومة بثبات ما علق


(١) الجصاص: المصدر السابق، (٥/ ٢٥٨).
(٢) ينظر: الجصاص: المصدر السابق، (٥/ ٢٥٨ - ٢٥٩).
(٣) مسلم ١٤٥١ ينظر: ابن القيم: زاد المعاد (٥/ ٥٥٣).
(٤) ينظر: الشافعي: المصدر السابق، (٦/ ٧٦ - ٧٧).
(٥) الجصاص: المصدر السابق، (٥/ ٢٥٩).

<<  <   >  >>