للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونوقش بما يأتي: أ- إن تمام قوله بعد مقولته الآنفة هو قوله: ثم ترك ذلك بعد ا. هـ (١)

كما يمكن أن يناقش بما يأتي: ب- إن قوله ليس من الأدلة التي يحتج بها في الشريعة.

- الترجيح: بدا ترجح القول الأول - وهو أن كثير الرضاع وقليله يحرم - إذا أشبع؛ بحيث يسع مدلول أدلة الرضعات الخمس: الرضعاتِ غير المشبعة وإن أشبعت بجميعها، ثم استظهرت رجحان الخمس - كما في القول الثاني -؛ لأن الخمس مظنة الشبع الذي يقع معه انفتاق الأمعاء واشتداد العظام ونبات اللحم، وعادة الشريعة جارية بإلحاق الأحكام بمظانها لا بالمقطوع من محالِّها؛ كإلحاق حكم الترخص بالسفر كونه مظنة المشقة، والدخول على الزوجة بإرخاء الستر وإغلاق الباب ونحو ذلك مما تقع به الظنة للمواطأة، والرضعاتُ الخمسُ مظِنَّةُ الإشباع؛ إلحاقًا للحكم بمظنته، فإن أشبع بواحدة من دون أن تقصر مدة الالتقام والمص، لم يقع بها التحريم.

وقد يتهيب الناظر إلى أصحاب القول الأول من الجمع الغفير الذين تبنوه في القرون المفضلة وسوَّوا قليل الرضاع وكثيره في التحريم؛ إذا وصل إلى الجوف، حتى حكى الليث الاتفاق عليه، ولكن ذلك غير معتبر لما يأتي:

أولًا: كون قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم - مقدمًا عندنا، وقد توفي والأمر على خمس رضعات.

ثانيًا: إذا تقرر كون النسخ متأخرًا، فمن المحتمل أن يكون قربُ النسخ من الوقت الذي توفي فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سببَ عدم بلوغه لمن لم ير في العدد شرطًا لإثبات التحريم من الرضاع، واعتمادهم الإطلاق في أصل الحكم {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [سورة النساء: ٢٣]، ؛ بما فيهم بعض الصحابة - رضوان الله عليهم -؛ حيث توفي - عليه الصلاة والسلام - والمنسوخ مما يتلى؛ فهم معذورون بذلك.

ثالثًا: إن النسخ أورث إشكالًا على أذهان بعض الأئمة آنذاك؛ من حيث إنه لم يدر أيهما المتقدم، وربما أخذ بقول لصحابي؛ كعائشة، وهي قد انطوت عنه بعد نسخه.

- ثمرة الخلاف: ترتب على الخلاف في هذه المسألة آثار في الفروع الآتية:


(١) ينظر: ابن القيم: المصدر السابق، (٥/ ٥٧٣).

<<  <   >  >>