للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤ - إذا أرضعت المصابة بالإيدز ولدها دون تحرز ولا سؤال؛ فإن جنايتها تعد جناية خطأ تترتب عليها أحكامها، وعلى فرض إيذاء ابنها؛ فإن ذلك يعد جناية شبه عمد؛ تأخذ أحكام الخطأ نفسها، وتزيد عليها بالإثم والدية المغلظة على العاقلة، وذلك؛ لأن الوسيلة هنا لا يحصل بها انتقال المرض غالبًا، وهذا هو قتل شبه العمد. (١)

وفي تقديري أن هذا محل نظر؛ لأن مرض الإيدز يقتل غالبًا؛ كالآلة الحادة، والسم القاتل، وإذا أخطأ صاحب الآلة الحادة هدفَه، أو أصاب هدفه وانخرمت العادة الغالبة؛ فلا يعود ذلك بالحكم على الآلة أنها لا تقتل غالبًا.

٥ - إذا أرضعت المصابة بالإيدز غير ولدها، وكان إرضاعها بشكل مغرض، واستبان مرادها في إفشاء هذا المرض، وعرف عنها ذلك مع إخفائها لمرضها؛ فتأخذ أحكام الحرابة؛ متى انتقل المرض، وحصلت الوفاة بسببه. (٢)

ب أن يكون المرضع والمرتضع مصابين.

الابتلاء للأسرة قد يتكرر حينما تكون الأم مصابة ثم ترزق بطفل مصاب، أو يصابان بواسطة نقل الدم إليها لسبب أو لآخر.

وإذا كان الأمر كذلك؛ فلا مانع من الرضاعة حينئذ بينهما على وفق ما تقدم في تقرير الرأي الطبي في هذه الحالة، وذلك؛ لأن الذي يخشى منه - وهو الإصابة -؛ قد حلَّ بهما. (٣)

ت أن تكون المرضع سليمة والمرتضع مصابًا.

من الواضح في هذه الصورة أن سلامة المرضع ينعكس على سلامة لبنها، وما دام اللبن سليمًا وصحيًّا؛ فلا خوف على الطفل من الرضاع. (٤)

لكن الخوف يتجه نحو المرضع؛ هل يمكن أن يشكل لها هذا الرضيع تهديدًا؛ إذا قلنا: يحتمل انتقال الفيروس؛ على نحو ما تقدم في التقرير الطبي.

ولما تقدم؛ فالظاهر - والله تعالى أعلم - جواز إرضاع المصاب من سليمة؛ إذا راعت المرضع الاحتياطات اللازمة، وغلب على الظن عدم انتقال المرض إليها، وذلك لما يأتي: (٥)

١ - ما في الرضاع الطبعي من مصالح عظيمة اجتماعية ونفسية، وخصوصًا إذا كانت المرضع أمًّا، فإن الأمر الشرعي بالرضاع مناط بها.

٢ - الرضاعة حق للمرضعة والراضع, فلا يُفَوَّت الحق المؤكد من مصلحتهما البدنية والنفسية لمجرد احتمال ضئيل؛ لضرر يمكن الاحتراز من وقوعه. (٦)

٣ - عموم الأدلة المتقدمة في الفقرة أ.

ويتبين مما تقدم الآتي:

أولًا: إذا أصيب المريض بالإيدز، وكان ذلك بسبب جهل الطبيب، أو تعديه، أو تفريطه على أي وجه كان ذلك؛ كما لو قصر في تحليل الدم ومشتقاته، أو وجَّه بإرضاع الرضيع من المصابة بالإيدز؛ فإنه يكون مسؤولًا عما تسبب فيه، ويكون ضمانه بحسب تعديه أو تفريطه؛ فقد يكون متعمدًا في نقل المرض، ولا يخلو الحال حينئذ مما يأتي:

أـ أن يكون متعمدًا؛ فيثبت في حقه القصاص.

ب ــ أن ينقله لعدد أكثر على وجه الإفساد العام؛ فيقام عليه حد الحرابة.

ج ــ أن ينقله خطأً؛ فتطبق عليه أحكام الخطأ، وتترتب عليه آثاره من الدية، ونحوها. (٧)


(١) المصدر السابق.
(٢) المصدر السابق.
(٣) ينظر: أ. د. الأشقر: الأحكام الشرعية المتعلقة بمرض الإيدز, ضمن كتاب دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة (١/ ٦٨). د. راشد الشهري: المصدر السابق، (٢/ ٥٥٧).
(٤) ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (٢/ ٥٥٨).
(٥) ينظر: د. راشد الشهري: المصدر السابق، (٢/ ٥٦١ - ٥٦٥).
(٦) ينظر: محمد أبو النيل: حكم الأجهاض والحضانة في ظل مرض الإيدز, ضمن ندوة رؤية إسلامية للمشكلات الاجتماعية لمرض الإيدز (٢٧٢).
(٧) ينظر: د. راشد الشهري: أحكام مرض الإيدز في الفقه الإسلامي (٢/ ٨٤٥ - ٨٤٦). وقد تقدم تأصيل هذه المسألة في المبحث الثالث عشر من الفصل الأول.

<<  <   >  >>