للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - ما روي عن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام". (١)


= قال أبو حاتم في هذا الطريق الثالث الذي مداره على ابن لهيعة: حديث باطل ا. هـ
وقد حكم بعدم صحة هذا المرفوع من حديث أبي هريرة: أبو حاتم، والدارقطني، وابن عبد البر، وابن القطان. والصحيح - كما قرر الدارقطني - قول من وقفه، وعدم ثبوته مرفوعًا من حديث أبي هريرة، وله شاهد من حديث عائشة وابن الزبير وأم سلمة، وهو الحديث الآتي.
ينظر: ابن المديني: علل الحديث ومعرفة الرجال والتاريخ (ص ٤٩٦). البخاري: المصدر السابق، (٦/ ١٩٦). البزار: المصدر السابق، (١٥/ ١٢). العقيلي: المصدر السابق، (٣/ ١٠٨١ - ١٠٨٢). النسائي: تسمية الشيوخ (ص ٥٠). ابن أبي حاتم: العلل (ص ٩٢٤). الدارقطني: العلل (٥/ ١٩٥ - ١٩٦). الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد (٤/ ٣٠٨، ١٢/ ٤٦١، ١٠/ ١٥٣). ابن القيسراني: ذخيرة الحفاظ (٥/ ٢٥٥٣) ابن القطان الفاسي: المصدر السابق، (٤/ ٢٤٧، ٥/ ٤٥٣، ٧٦٣). الذهبي: المصدر السابق، (٣/ ٣١٨). ابن الملقن: البدر المنير (٨/ ٢٧٣ - ٢٧٨). الهيثمي: المصدر السابق، (٤/ ٢٦١). ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة (٣/ ٩٤ - ٩٥). الألباني: المصدر السابق، (٧/ ٢٢١).
(١) الترمذي: المصدر السابق، (كتاب النكاح - باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين - ٢/ ٤٤٦)، برقم (١١٥٢)؛ من طريق قتيبة، عن أبي عوانة، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر - امرأة هشام بن عروة، وأبوها هو المنذر بن الزبير بن العوام، وفي بعض المخطوط: عن هشام عن أبيه عن فاطمة، وبالرجوع إلى تحفة الأطراف تبين أنه خطأ -، عن أم سلمة؛ به مرفوعًا، بلفظ: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء". النسائي: المصدر السابق، (كتاب النكاح - باب القدر الذي يحرم من الرضاع - ٥/ ٢٠١)، برقم (٥٤٤١)؛ من طريق قتيبة بن سعيد؛ بسنده عند الترمذي مرفوعًا. ابن حبان: المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع من غير وجود قطع في سندها ولا ثبوت حرج في ناقليها (ذكر الخبر الدال على أن الرضعة والرضعتين لا تحرمان - ٥/ ١٥)، برقم (٣٨٧٣)؛ من طريق عبد الله بن أحمد بن موسى، عن أبي كامل الجحدري، عن أبي عوانة، عن هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة؛ به مرفوعًا، بلفظ: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء" فقط. الطبراني: المعجم الأوسط (٧/ ٢٨٨)؛ من طريق محمد بن عبد الله بن رسته، عن أبي كامل الجحدري؛ بسندِ النسائي وابن حبان، ولفظه: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان في البدن مثل الطعام".
وقد تبين مما تقدم أن هذا الحديث يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أم سلمة، وعنها: فاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام القرشية المدنية؛ تابعية ثقة ت ١١١ هـ تقريبًا، وعنها: هشام بن عروة، وعنه: أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري الواسطي البصري؛ ثقة ثبت إذا حدث من كتابه ت ١٧٥ هـ تقريبًا، وعنه:
أ - قتيبة بن سعيد بن جميل الثقفي أبو رجاء البلخي؛ ثقة مشهور ت ٢٤٠ هـ، وعنه: الترمذي. فإن قيل: إن ابن خراش قال في قتيبة: صدوقًا. أجيب: بغلبة إطلاقه هذه الكلمة على الثقات الجبال الأثبات؛ فعلم أن مقصوده منها التعديل المحض والتوثيق.
ب - فضيل بن حسين البصري أبو كامل الجحدري؛ ثقة ت ٢٣٧ هـ، وعنه اثنان:
أحدهما: عبد الله بن أحمد بن موسى بن زياد أبو محمد الجواليقي الأهوازي المعروف بعبدان؛ حجة حافظ ثبت ت ٣٠٧ هـ تقريبًا، وعنه: ابن حبان.
الآخر: محمد بن عبد الله بن رسته بن الحسن الضبي أبو عبد الله المدينيّ؛ صدوق رحال ت ٣٠١ هـ، وعنه: الطبراني.
هذا، وقد أعل ما تدور عليه أسانيد الحديث بما يأتي:
الاختلاف على هشام؛ فيروي أبو عوانة الحديث عنه مرفوعًا، ويرويه يحيى بن سعيد القطان عنه موقوفًا على أم سلمة كما سيأتي، وقول يحيى أشبه بالصواب في تقرير الدارقطني، وهو الحق؛ لأن يحيى أحفظ بكثير من أبي عَوانة.
إن فاطمة لم تسمع من أم سلمة، وهذا ما يسمى بالانقطاع، أو الإرسال الخفي؛ حيث المعاصرة وربما اللقي، مع عدم السماع.
ونوقشت هذه العلة: بأنها تعسف بارد؛ فالترمذي يرى صحى سماع فاطمة من أم سلمة بدليل تصحيحه له بعد روايته، ورواة الحديث رواة الصحيح، وإدراكها ممكن، وقد رواه ابن حبان في صحيحه، ومن شرطه الاتصال، وفاطمة بنت المنذر لقيت أم سلمة صغيرة، فقد يعقل الصغير أشياء ويحفظها، وقد عقل محمود بن الربيع المجة وهو ابن خمس سنين، وقد كان لفاطمة أربعة عشر عامًا حين توفيت أم سلمة، أو إحدى عشرة سنة، وهذا سن جيد تصلح فيه للزواج؛ فكيف يقال: إنها لا تعقل ما تسمع، ولا تدري ما تحدث به؟
وبأن فاطمة نشأت في حجر جدتها أسماء مع خالة أبيها عائشة، وأم سلمة كانت مصادقة لجدتها أسماء، وماتت عائشة سنة ٥٧ هـ أو ٥٨ هـ ويمكن سماع فاطمة منها، وأما جدتها أسماء فماتت عام ٧٣ هـ، وفاطمة إذ ذاك بنت خمس وعشرين سنة، فلذلك؛ كثر سماعها منها، وقد أفتت أم سلمة بمثل الحديث الذي روته أسماء.
وأجيب عن كون رواته رواة الصحيح: بأن كثيرًا ما يروي أصحاب الصحيح حديثَ الرجل عن شيخ معين؛ لخصوصيته به، ومعرفته بحديثه وضبطه له، ولا يخرجون من حديثه عن غيره لكونه غير مشهور بالرواية عنه، ولا معروفًا بضبط حديثه، أو لغير ذلك.
كما يمكن أن يعل بما يأتي:
إنه ليس لأبي عوانة تلمذة أو سماع من هشام بن عروة في جامع الترمذي، ولا فيما استفاض عند أصحاب التراجم.
وصحح هذا الحديث مرفوعًا الترمذي نفسُه بعد أن ساقه في جامعه، وتبعه الألباني، وجعل إسناده عنده على شرط الشيخين. والظاهر أنه صحيح موقوفًا كما يقرر الدارقطني أنه موقوف.
ينظر: الترمذي: (المصدر السابق، ٢/ ٤٤٦). الدارقطني: المصدر السابق، (٩/ ٢٥٥). ابن عساكر: المصدر السابق، (٢٧/ ٥١ - ٥٩). ابن عبد الهادي: الصارم المنكي (ص ٥٥٧). الذهبي: تاريخ الإسلام (٣/ ٢٩٦، ٧/ ٤٣). ابن القيم: زاد المعاد (٥/ ٥٩٠ - ٥٩١). ابن الملقن: تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج (٢/ ٤٢٥). ماهر الفحل: أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء (ص ٧١ - ٧٣).

<<  <   >  >>