للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد أحسن. فأما من تبلغه السنة من العلماء وغيرهم، وتبين له حقيقة الحال؛ فلم يبق له عذر في أن يتنزه عما ترخص فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يرغب عن سنته لأجل اجتهاد غيره ا. هـ (١)

لكن الذي ينبغي الإشارة إليه هو أن يكون الدافع للفطر هو الخوف على الرضيع، وليس وهمًا آخر أو هوى متبعًا، فقد ذم الله من جعل عذره في الترخص هوى نفسه، فقال: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِّي وَلَا تَفْتِنِّي؛ أَلَا فِي الفِتْنَةِ سَقَطُوا} [سورة التوبة: ٤٩]، وقال: {فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ الله وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِم فِي سَبِيلِ الله، وَقَالُوا: لَا تَنْفِرُوا فِيْ الْحَرِّ؛ قُلْ: نَارُ جَهَنَّمَّ أَشَدُّ حَرًا، لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [سورة التوبة: ٨١]، وذلك؛ لأن تتبع الإنسان للهوى يرمي به في مهاوٍ بعيدة، ويبطل عليه أعمالًا كثيرة، وهذا مطرد في العادات والعبادات وسائر التصرفات، والشريعة جاءت بإخراج الإنسان من داعية هواه، فمشقة مخالفة الهوى لا رخصة فيها البتة، وإنما المعتبر الحقيقي من المشاق (٢).

ولا ينبغي أن يقودنا ما تقدم إلى وضع ضابط يبيح الرخصة أو حد للخوف على الولد؛ لأن أسباب الرخص لا تدخل تحت قانون أصلي، ولا ضابط مأخوذ باليد؛ بل هو إضافي بالنسبة إلى كل مخاطب في نفسه، وهذا ما جعل الشارع ينيط في جملة من التخفيفات السبب مقام العلة؛ كاعتبار السفر دون المشقة؛ لأنه لا حد للمشقة يطرد عند جميع الناس وفي مختلف الأحوال والظروف. (٣)

ومراسم الشريعة كما أنها مخالفة للهوى، فإنها أيضًا إنما أتت لمصالح العباد في دنياهم ودينهم، والهوى ليس بمذموم إلا إذا كان مخالفًا لمراسم الشريعة، وحيث نصبت الشريعة لنا ما هو سبب لرخصة، وغلب عل الظن ذلك، فأعملنا مقتضاه وعملنا بالرخصة؛ لم يكن في ذلك اتباع للهوى، وكما أن اتباع الرخص يحدث بسببه الخروج عن مقتضى الأمر والنهي، كذلك اتباع التشديدات وترك الأخذ بالرخص يحدث بسببه الخروج عن مقتضى الأمر والنهي، وليس أحدهما بأولى من الآخر. (٤)

- سبب الخلاف: يعود الخلاف في هذه المسألة إلى الخلاف في قضايا أخرى، منها:

١ - هل الرضاع واجب تكليفًا على الأم أو غير واجب؟ (٥)

٢ - هل الحليب الصناعي المعاصر لا يضر بالطفل؟ وإذا لم يثبت ضرره؛ فهل هو يقوم مقام حليب الأم بخصوص احتياجات الرضيع إذا لم يثبت ضرره؟ (٦)


(١) ابن تيمية: الفتاوي الكبرى (١/ ٢٢٩ - ٢٣٠). ابن قاسم: المصدر السابق، (٧/ ٤٨، ٢١/ ٦٢)
(٢) ينظر: الشاطبي: المصدر السابق، (١/ ٥٠٨ - ٥٠٩، ٥١٥ - ٥١٦).
(٣) ينظر: الشاطبي: المصدر السابق، (١/ ٤٨٥).
(٤) ينظر: الشاطبي: المصدر السابق، (١/ ٥٢٩).
(٥) ينظر: المطلب الثالث في المبحث الثامن من مباحث الفصل الأول لهذا البحث؛ فهناك بحثت المسألة بتوسع.
(٦) ينظر: المبحث الثامن من هذا الفصل.

<<  <   >  >>