للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على عبادته، فهو تعالى يحب الأخذ بها؛ لأن الكريم يحب قبول إحسانه وفضله، ولأنه بها تتم عبادته وطاعته، وهذا المعنى مستقر في الشريعة من حيث وضع الآصار والأغلال، وكراهة مشابهة أهل الكتابين في ذلك، حتى تفرع عن هذا المبدأ: الزجر عن التبتل، والأمر بالسحور، والنهي عن المواصلة، ولا يعني هذا أن من لم يأخذ بالرخصة فقد أتى بابًا من الإثم والحرج مطلقًا، بل قد رفع الله الإثم عن المقيم إلى النفر الآخر تاركًا رخصة الله جل وعلا، فقال: {وَمَنْ تَّأخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْه} [سورة البقرة: ٢٠٣]. (١)

ولقائل أن يقول: هذا الاختلاف يورث شبهة، والتورع في الأخذ بالعزيمة.

فالجواب: ما قرره تقي الدين ابن تيمية ٧٢٨ هـ في قوله: الاختلاف إنما يورث شبهة إذا لم تتبين سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأما إذا بينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرخص في شيء، وقد كره أن نتنزه عما ترخص فيه ... ؛ فإن تنزهنا عنه عصينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله ورسوله أحق أن نرضيه. وليس لنا أن نغضِب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لشبهة وقعت لبعض العلماء؛ كما كان عام الحديبية، ولو فتحنا هذا الباب؛ لكنا نكره لمن أرسل هديًا أن يستبيح ما يستبيحه الحلال لخلاف ابن عباس - رضي الله عنهما -، ولكُنا نستحب للجنب إذا صام أن يغتسل لخلاف أبي هريرة - رضي الله عنه -، ولكُنا نكره تطيب المحرم قبل الطواف لخلاف عمر وابنه - رضي الله عنهما - ومالك، ولكُنا نكره له أن يلبي إلى أن يرمي الجمرة بعد التعريف لخلاف مالك وغيره، ومثل هذا واسع لا ينضبط.

وأما من خالف في شيء من هذا من السلف والأئمة - رضي الله عنهم -؛ فهم مجتهدون قالوا بمبلغ علمهم واجتهادهم، وهم إذا أصابوا فلهم أجران، وإذا أخطؤوا فلهم أجر، والخطأ محطوط عنهم، فهم معذورون لاجتهادهم، ولأن السنة البينة لم تبلغهم، ومن انتهى إلى ما علم


= من طريق محمد بن إسماعيل، عن روح بن عبادة، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله؛ به مرفوعًا، بلفظ الفريابي، وما روى أبو نعيم في الحلية (٦/ ١٩١)؛ من طريق إبراهيم بن عبد الله، عن محمد بن إسحاق الثقفي، عن عبد الأعلى بن حماد، عن سلام، عن سعيد بن مسروق، عن تميم بن سلمة، عن ابن عمر؛ به موقوفًا، بلفظ الرخص لا المياسر، وما روى المحاملي في أماليه برقم (٢١٢)؛ من طريق أحمد بن منصور، عن مسلم بن إبراهيم، عن عبد السلام بن عجلان، عن أبي سعيد الرقاشي، عن عائشة؛ به موقوفًا، بلفظ: خذوا برخص الله فإن الله عز وجل يحب أن يؤخذ برخصه ا. هـ، موضح أوهام الجمع والتفريق (١/ ٥٢٢)؛ من طريق أبي نعيم الحافظ، عن محمد بن أحمد بن الحسن الصواف، عن أبي شعيب عبد الله بن الحسن الحراني، عن علي بن عبد الله بن جعفر المديني، عن حسان بن إبراهيم الكرماني، عن سعيد بن مسروق، عن أبي سلمة هو تميم بن سلمة -، عن ابن عمر؛ به موقوفًا، بلفظ: إن الله يحب أن تؤتى مياسره ا. هـ، ومن طريق أبي نعيم، عن محمد بن أحمد بن الحسن، عن أبي شعيب الحراني، عن علي ابن المديني، عن يحيى بن سعيد، عن سفيان بن سعيد، عن أبيه، عن تميم بن سلمة، عن ابن عمر؛ به موقوفًا، باللفظ الآنف، ومن طريق أبي بكر البرقاني، عن عمر بن نوح البجلي، عن أبي خليفة، عن ابن كثير، عن سفيان، عن أبيه، عن تميم بن سلمة، عن ابن عمر؛ به موقوفًا، باللفظ الآنف ا. هـ، وبنحو ما تقدم روي عن مسروق، وعطاء، وإبراهيم التيمي، والشعبي.
ينظر: عبد الرزاق: المصدر السابق، (١١/ ٢٩١). ابن أبي شيبة: المصنف (١٣/ ٤٧٥ - ٤٧٧)، الأدب (٢/ ٢٢٦ - ٢٢٧). البخاري: المصدر السابق، (٨/ ٧٣، ٩/ ٢٦٤). مسلم: المصدر السابق، (٣/ ٣٢٧، ٦/ ١٨٣). ابن أبي خيثمة: المصدر السابق، (٣/ ١٢٥). العقيلي: المصدر السابق، (٤/ ١٣٥٢ - ١٣٥٣). المحاملي: الأمالي (ص ٤٣٢). ابن عدي: المصدر السابق، (٢/ ٤٣٩ - ٤٤٠، ٤/ ٢٩٧، ٥/ ٤٨٥، ٧/ ٤٠٢). الدارقطني: العلل (٦/ ٣٥٩ - ٣٦٠). ابن عبد البر: التمهيد ضمن موسوعة شروح الموطأ (٢٢/ ٦٠٦). الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد (٦/ ٤٤٥). ابن القيسراني: أطراف الغرائب والأفراد (٣/ ٤٤٦، ٤/ ١٥٥)، ذخيرة الحفاظ (٢/ ٦٠٥ - ٦٠٦). ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ١٧٩). ابن عبد الهادي: تنقيح التحقيق (٢/ ٥٢٨، ٥٢٩). الزيلعي: تخريج أحاديث الكشاف (٣/ ٧٢ - ٧٤)، نصب الراية (١/ ١٦٩). الألباني: سلسلة الأحاديث الضعيفة (٢/ ٥، ٧/ ١٢٥)، إرواء الغليل (٣/ ٩ - ١٣، ٤/ ٥٨).
(١) الأثرم: ناسخ الحديث ومنسوخه (ص ١٧٢). الطحاوي: شرح مشكل الآثار (٨/ ٤٤٠). ابن تيمية: الإيمان (ص ٤٣ - ٤٤)، اقتضاء الصراط المستقيم (١/ ١٧٩ - ١٨١).

<<  <   >  >>