وَيُكْتَفَى بِوُجُودِهِ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ السَّبْعِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ: «إحْدَاهُنَّ بِالْبَطْحَاءِ.» عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بَلْ مَحْمُولَتَانِ عَلَى الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ: أُخْرَاهُنَّ أَوْ قَالَ: أُولَاهُنَّ؛ وَبِالْجُمْلَةِ لَا تُقَيِّدْ بِهِمَا رِوَايَةَ إحْدَاهُنَّ لِضَعْفِ دَلَالَتِهِمَا بِالتَّعَارُضِ أَوْ بِالشَّكِّ، وَلِجَوَازِ حَمْلِ رِوَايَةِ إحْدَاهُنَّ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَأُولَاهُنَّ عَلَى بَيَانِ النَّدْبِ وَأُخْرَاهُنَّ عَلَى بَيَانِ الْإِجْزَاءِ.
وَقِيسَ بِالْكَلْبِ الْخِنْزِيرُ وَالْفَرَعُ وَبِوُلُوغِهِ غَيْرُهُ كَبَوْلِهِ وَعَرَقِهِ، وَعُلِمَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَرُّ التُّرَابِ عَلَى الْمَحِلِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُتْبِعَهُ بِالْمَاءِ، وَلَا مَزْجُهُ بِغَيْرِ مَاءٍ، نَعَمْ إنْ مَزَجَهُ بِالْمَاءِ بَعْدَ مَزْجِهِ بِغَيْرِهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ كَثِيرًا كَفَى، وَلَا مَزْجُ غَيْرِ تُرَابٍ طَهُورٍ كَأُشْنَانٍ وَتُرَابٍ نَجِسٍ وَتُرَابٍ مُسْتَعْمَلٍ، وَهُوَ خَارِجٌ بِتَعْبِيرِي بِطَهُورٍ، وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ، وَالْوَاجِبُ مِنْ التُّرَابِ مَا يُكَدِّرُ الْمَاءَ وَيَصِلُ بِوَاسِطَتِهِ إلَى جَمِيعِ أَجْزَاءِ الْمَحِلِّ، وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي فِي غَيْرِ تُرَابٍ التُّرَابُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَتْرِيبٍ إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمُقَيَّدِ لِأَنَّ مَحَلَّ حَمْلِهِ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُقَيَّدْ بِقَيْدَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ وَإِلَّا سَقَطَ الْقَيْدَانِ وَبَقِيَ الْمُطْلَقُ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا فِي حَجّ (قَوْلُهُ وَيُكْتَفَى) الْأَوْلَى التَّفْرِيعُ (قَوْلُهُ بِالْبَطْحَاءِ) أَيْ التُّرَابِ، وَالْبَطْحَاءُ فِي الْأَصْلِ مَيْلٌ وَاسِعٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصَى كَمَا فِي الْمُخْتَارِ. (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَلَنَا أَنْ نُجْرِيَ عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ إلَخْ (قَوْلُهُ بَلْ مَحْمُولَتَانِ عَلَى الشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا لَهَا طَرِيقٌ مُسْتَقِلٌّ غَيْرُ طَرِيقِ الْأُخْرَى، وَسَنَدُ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ سَنَدِ الْأُخْرَى فَكَيْفَ يُحْمَلَانِ عَلَى الشَّكِّ مَعَ أَنَّ الشَّكَّ لَا يَكُونُ إلَّا فِي حَدِيثٍ لَهُ سَنَدٌ وَاحِدٌ؟ فَإِنْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الرَّاوِيَ حَذَفَ مِنْ كُلٍّ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ مَا أُثْبِتَ فِي الْأُخْرَى. قُلْنَا هَذَا لَا يَجُوزُ حَالَةَ الشَّكِّ إذْ كَيْفَ يَقْتَصِرُ الرَّاوِي فِي رِوَايَتِهِ عَلَى أَحَدِ الْمَشْكُوكَيْنِ وَمَا اُسْتُدِلَّ بِهِ مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ لَا يَدُلُّ لَهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ الشَّكِّ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ الشَّكُّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ خَمْسُ رِوَايَاتٍ ثِنْتَانِ لِمُسْلِمٍ وَوَاحِدَةٌ لِأَبِي دَاوُد وَوَاحِدَةٌ لِلدَّارَقُطْنِيِّ وَوَاحِدَةٌ لِلتِّرْمِذِيِّ.
(قَوْلُهُ وَبِالْجُمْلَةِ إلَخْ) أَيْ وَأَقُولُ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِالْجُمْلَةِ أَيْ سَوَاءٌ قُلْنَا بِالتَّعَارُضِ أَوْ بِالشَّكِّ وَدُفِعَ بِهِ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ تُحْمَلُ عَلَيْهَا رِوَايَةُ إحْدَاهُنَّ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمَعْلُومَةِ أَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ كَمَا هُنَا فَلَا تُحْمَلُ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَيْهِمَا لَا يُمْكِنُ لِتَنَافِي قَيْدَيْهِمَا وَعَلَى إحْدَاهُمَا تُحْكَمُ ع ش. (قَوْلُهُ لَا تُقَيَّدُ بِهِمَا) أَيْ بِإِحْدَاهُمَا إذْ التَّقْيِيدُ بِهِمَا مَعًا لَا يُمْكِنُ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِرِوَايَتَيْ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ وَأُولَاهُنَّ عَلَى بَيَانِ النَّدْبِ) حَتَّى لَا يَحْتَاجَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى تَتْرِيبِ مَا تَرَشْرَشَ مِنْ جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ ح ل. (قَوْلُهُ وَأُخْرَاهُنَّ عَلَى بَيَانِ الْإِجْزَاءِ) أَيْ الِاكْتِفَاءُ فِي سُقُوطِ الطَّلَبِ أَيْ وَإِنْ كَانَ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ، فَالْإِجْزَاءُ أَقَلُّ مَرْتَبَةً مِنْ الْجَوَازِ فِي الْجُمْلَةِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ مَعَ الْحُرْمَةِ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ وَإِنَّمَا خَصَّ الْإِجْزَاءَ بِالْأَخِيرَةِ لِأَنَّهَا الَّتِي يُتَوَهَّمُ فِيهَا عَدَمُ الْإِجْزَاءِ اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيسَ بِالْكَلْبِ إلَخْ) عَلَى هَذَا يُشْكِلُ مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّ الشَّيْءَ إذَا خَرَجَ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ بَلْ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ وَمَا هُنَا خَرَجَ عَنْهُ، فَإِنَّ الْقِيَاسَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الِاكْتِفَاءُ بِزَوَالِ الْعَيْنِ فَلْيُحَرَّرْ شَوْبَرِيٌّ، وَأَيْضًا تَسْبِيعُ النَّجَاسَةِ الْكَلْبِيَّةِ أَمْرٌ تَعَبُّدِيٌّ وَالْأُمُورُ التَّعَبُّدِيَّةُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَقِيسَ أَيْ فِي التَّنْجِيسِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ التَّسْبِيعُ لَا فِي التَّسْبِيعِ حَتَّى يَرُدَّ مَا ذَكَرَ ح ف وَقِ ل عَلَى الْجَلَالِ.
(قَوْلُهُ وَبِوُلُوغِهِ غَيْرُهُ) هَذَا قِيَاسٌ أَوْلَوِيٌّ لِأَنَّ فَمَه أَطْيَبُ أَجْزَائِهِ وَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ تَقْدِيمَ هَذَا الْقِيَاسِ عَلَى قَوْلِهِ وَقِيسَ بِالْكَلْبِ الْخِنْزِيرُ كَمَا فَعَلَ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْمُنَاسِبَ إتْمَامُ الدَّلِيلِ عَلَى نَجَاسَةِ الْكَلْبِ ثُمَّ يَقِيسُ عَلَيْهِ الْخِنْزِيرَ. (قَوْلُهُ وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ وَمَا قَرَّرَهُ فِي الرِّوَايَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ دَالٌّ عَلَى مُصَاحَبَةِ التُّرَابِ لِلْمَاءِ. ح ل (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي ذَرُّ التُّرَابِ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ وَضَعَ التُّرَابَ عَلَى جِرْمِ النَّجَاسَةِ لَمْ يَكْفِ مُطْلَقًا وَإِنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ وَوُضِعَ التُّرَابُ كَفَى مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ مَزَجَهُ بِالْمَاءِ أَوَّلًا أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا أَوْ جَافًّا وَإِنْ بَقِيَتْ الْأَوْصَافُ فَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ جَافًّا وَوُضِعَ التُّرَابُ مَمْزُوجًا بِالْمَاءِ أَوْ وَحْدَهُ كَفَى التَّتْرِيبُ إنْ زَالَتْ الْأَوْصَافُ مَعَ الْمَاءِ الْمُصَاحِبِ لِلتَّتْرِيبِ، وَكَذَا إنْ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا وَوُضِعَ التُّرَابُ مَمْزُوجًا بِالْمَاءِ وَزَالَتْ الْأَوْصَافُ وَإِنْ وَضَعَهُ وَحْدَهُ لَمْ يَكْفِ لِتَنَجُّسِهِ قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف وَعَبْدُ رَبِّهِ. (قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتْبَعَهُ بِالْمَاءِ) بِأَنْ يَضَعَهُ بَعْدَ تَمَامِ السَّابِعَةِ فَإِنْ أَتْبَعَهُ بِالْمَاءِ وَامْتَزَجَ مَعَهُ عَلَى الْمَحَلِّ كَفَى ح ل.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ) أَيْ لَا حِسًّا وَلَا تَقْدِيرًا. (قَوْلُهُ كَأُشْنَانٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا لُغَةً مِصْبَاحٌ (قَوْلُهُ وَتُرَابٌ مُسْتَعْمَلٌ) وَلَيْسَ مِنْهُ حَجَرُ الِاسْتِنْجَاءِ فَيُجْزِئُ هُنَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعُدُّوا حَجَرَ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ الْمُطَهِّرَاتِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ بَاقٍ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ نَزَلَ الْمُسْتَجْمِرُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ أَوْ حَمَلَهُ مُصَلٍّ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ خِلَافًا سم حَيْثُ قَالَ: وَمِنْ الْمُسْتَعْمَلِ حَجَرُ الِاسْتِنْجَاءِ ع ش. (قَوْلُهُ إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ) قَدْ يُقَالُ لَهُ مَعْنًى وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُطَهِّرَيْنِ أَعْنِي الْمَاءَ وَالتُّرَابَ الطَّهُورَ، وَالتُّرَابُ الطَّهُورُ مَفْقُودٌ هُنَا؛ لِأَنَّ التُّرَابَ الَّذِي فِي الْأَرْضِ التُّرَابِيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute