للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعَارَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَكِبَهُ» وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ الثَّوْبِ لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ، وَقَدْ تَحْرُمُ كَإِعَارَةِ الْأَمَةِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَقَدْ تُكْرَهُ كَإِعَارَةِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ مِنْ كَافِرٍ كَمَا سَيَأْتِيَانِ (أَرْكَانُهَا) أَرْبَعَةٌ (مُسْتَعِيرٌ وَمُعَارٌ وَصِيغَةٌ وَمُعِيرٌ وَشَرْطٌ فِيهِ مَا مَرَّ فِي مُقْرِضٍ) مِنْ اخْتِيَارٍ وَهُوَ مِنْ زِيَادَتِي وَصِحَّةُ تَبَرُّعٍ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَبَرُّعٌ بِإِبَاحَةِ الْمَنْفَعَةِ، فَلَا تَصِحُّ مِنْ مُكْرَهٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكَاتَبٍ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَمَحْجُورِ سَفَهٍ وَفَلَسٍ (وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِلْعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ إنَّمَا تُرَدُّ عَلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الْعَيْنِ (كَمُكْتِرٍ لَا مُسْتَعِيرٍ) ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَالِكٍ لِلْمَنْفَعَةِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِانْتِفَاعُ، فَلَا يَمْلِكُ نَقْلَ الْإِبَاحَةِ، كَمَا أَنَّ الضَّيْفَ لَا يُبِيحُ لِغَيْرِهِ مَا قُدِّمَ لَهُ فَإِنْ أَعَارَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ صَحَّ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إعَارَتِهِ، إنْ لَمْ يُسَمِّ الثَّانِيَ.

(وَ) شُرِطَ (فِي الْمُسْتَعِيرِ تَعْيِينٌ وَإِطْلَاقُ تَصَرُّفٍ) وَهُمَا مِنْ زِيَادَتِي فَلَا تَصِحُّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَأَنْ قَالَ: أَعَرْتُ أَحَدَكُمَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

إذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إعَارَتُهُ أَوْ نَظَرًا لِصَدْرِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً حِينَئِذٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: الْمَاعُونُ كُلُّ مَعْرُوفٍ. اهـ. سم.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ تَجِبُ كَإِعَارَةِ ثَوْبٍ) أَيْ: مَعَ وُجُوبِ الْأُجْرَةِ ز ي وَقَوْلُهُ: لِدَفْعِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَيْ: مُبِيحٍ لِلتَّيَمُّمِ وَكَنَحْوِ سِكِّينٍ لِذَبْحِ شَاةٍ وَمَعَ الْوُجُوبِ لَا يَلْزَمُ الْمَالِكَ الْبَذْلُ مَجَّانًا بَلْ لَهُ طَلَبُ الْأُجْرَةِ، ثُمَّ إنْ عَقَدَ بِالْإِجَارَةِ وَوُجِدَتْ شُرُوطُهَا فَهِيَ إجَارَةٌ صَحِيحَةٌ وَإِلَّا فَهِيَ إعَارَةٌ لَفْظًا إجَارَةٌ مَعْنًى، وَلَا يُنَافِي وُجُوبُ الْإِعَارَةِ أَنَّ الْمَالِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَبْحُهَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ إضَاعَةُ مَالٍ؛ لِأَنَّهَا بِالتَّرْكِ هُنَا وَهُوَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ لَا يُنَافِي إسْعَافَهُ إذَا أَرَادَ حِفْظَ مَالِهِ ع ش عَلَى م ر وَق ل وَسم عَلَى حَجّ وَلَا يَضْمَنُ الْعَيْنَ حِينَئِذٍ تَغْلِيبًا لِلْإِجَارَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا أَنَّهَا قَدْ تُبَاحُ وَقَدْ تُصَوَّرُ الْإِبَاحَةُ كَإِعَارَةِ مَنْ لَا حَاجَةَ لَهُ بِالْمُعَارِ بِوَجْهٍ اهـ ع ش.

(قَوْلُهُ: وَقَدْ تَحْرُمُ) وَلَا تَصِحُّ وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ سم.

(قَوْلُهُ: مِنْ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ: لَهُ إعَارَةُ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ، وَالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ لِلْحَرْبِيِّ وَقَاطَعَ الطَّرِيقِ وَالْبَاغِي إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ عِصْيَانُهُمْ بِذَلِكَ. اهـ. ز ي. (قَوْلُهُ: مِنْ كَافِرٍ) أَيْ: لِكَافِرٍ لَكِنْ لَا يُمْكِنُ مِنْ اسْتِخْدَامِهِ وَقَدْ يُقَالُ: إذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا فَائِدَةُ صِحَّةِ إعَارَتِهِ لَهُ؟ وَقَدْ يُقَالُ: فَائِدَتُهَا جَوَازُ أَنْ يُعِيرَهُ لِمُسْلِمٍ بِإِذْنِ الْمَالِكِ أَوْ يَسْتَنِيبَ مُسْلِمًا فِي اسْتِخْدَامِهِ فِيمَا تَعُودُ مَنْفَعَتُهُ إلَيْهِ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: وَصِحَّةُ تَبَرُّعٍ) أَيْ نَاجِزٍ لِيَخْرُجَ السَّفِيهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ بِالْوَصِيَّةِ وَعَبَّرَ فِي الْقَرْضِ بِأَهْلِيَّةِ التَّبَرُّعِ فَقَوْلُهُ هُنَا: صِحَّةُ تَبَرُّعٍ حِكَايَةً لِكَلَامِهِ بِالْمَعْنَى وَقَوْلُهُ: وَمَحْجُورِ سَفَهٍ نَعَمْ لَوْ أَعَارَ مَحْجُورُ السَّفَهِ نَفْسَهُ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَجُوزُ إذَا كَانَ عَمَلُهُ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي كَسْبِهِ كَأَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى الْكَسْبِ لِمُؤْنَةٍ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِمَالِهِ وَإِنْ كَانَ عَمَلُهُ يُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ وَقَوْلُهُ: وَفَلَسٍ، نَعَمْ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي إعَارَةِ الْمُفْلِسِ الْعَيْنَ تَعْطِيلٌ لِلنِّدَاءِ عَلَيْهَا كَإِعَارَةِ الدَّارِ يَوْمًا فَالْمُتَّجِهُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ الْجَوَازُ أَيْ: إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَنْفَعَةُ تُقَابَلُ بِأُجْرَةٍ وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ أَيْضًا: وَمَحْجُورِ فَلَسٍ مَحَلُّهُ إذَا أَعَارَ شَيْئًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ، وَأَمَّا إعَارَةُ نَفْسِهِ مُدَّةً لَا تَشْغَلُهُ عَنْ الْكَسْبِ فَتَصِحُّ، وَكَذَا يَصِحُّ أَنْ يُعِيرَ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ مَنْقُولٍ لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ. (قَوْلُهُ: مِنْ مُكْرَهٍ) أَيْ: بِغَيْرِ حَقٍّ، أَمَّا بِهِ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى إعَارَةٍ وَاجِبَةٍ فَتَصِحُّ ابْنُ حَجَرٍ.

(قَوْلُهُ: وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ) أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلِاخْتِصَاصِ لِيَشْمَلَ إعَارَةَ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ مَعَ خُرُوجِهِمَا عَنْ مِلْكِهِ فَيُعِيرُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ الْمَوْقُوفَ بِإِذْنِ النَّاظِرِ وَمُوصًى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ وَلَوْ مُدَّةً وَلَا يُعِيرُ مَنْ أُوصِيَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ أَبَدًا أَوْ مُدَّةَ حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ إبَاحَةٌ فِيهِمَا وَصَحَّحَ شَيْخُنَا فِي الثَّانِيَةِ صِحَّةَ الْعَارِيَّةُ وَتَصِحُّ إعَارَةُ كَلْبٍ لِصَيْدٍ وَنَحْوِهِ وَإِعَارَةُ أُضْحِيَّةٍ وَهَدْيٍ وَلَوْ مَنْذُورَيْنِ ق ل. (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَعَارَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ صَحَّ) وَيَخْرُجُ عَنْ الْعَارِيَّةُ إنْ عَيَّنَ لَهُ الْمُسْتَعِيرُ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ وَإِلَّا فَبِالْعَقْدِ بِرْمَاوِيٌّ هَذَا غَيْرُ ظَاهِرٍ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ بَاقٍ عَلَى إعَارَتِهِ) أَيْ: الْمُسْتَعِيرِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى إعَارَتِهِ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ فَلَا يَبْرَأُ الْأَوَّلُ مِنْ الضَّمَانِ وَيَحِلُّ لَهُ الِانْتِفَاعُ مَعَ الثَّانِي، وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الثَّانِي إنْ تَلِفَ عِنْدَهُ وَالضَّمِيرُ فِي " وَهُوَ " رَاجِعٌ لِلْمِلْكِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُسَمِّ وَقَوْلُهُ: عَلَى إعَارَتِهِ أَيْ: لِلْأَوَّلِ وَقِيلَ: ضَمِيرُ " وَهُوَ " لِلْمُسْتَعِيرِ، وَكَذَا ضَمِيرُ إعَارَتِهِ فَيَكُونُ مُضَافًا لِلْمَفْعُولِ أَيْ: بَاقٍ عَلَى إعَارَةِ الْمَالِكِ إيَّاهُ لَكِنْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَشْتِيتُ الضَّمَائِرِ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ " يُسَمَّى " لِلْمَالِكِ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى قَالَ س ل: وَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَإِنْ رَدَّهَا الثَّانِي عَلَيْهِ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: إنْ لَمْ يُسَمِّ) أَيْ: الْمَالِكُ الثَّانِي أَيْ الْمُعَارَ لَهُ ثَانِيًا كَأَنْ قَالَ: أَذِنْت لَك فِي إعَارَتِهِ فَإِنْ سَمَّى الثَّانِي كَأَنْ قَالَ لَهُ: أَذِنْت لَكَ فِي إعَارَتِهِ لِزَيْدٍ مَثَلًا فَإِنَّ إعَارَةَ الْأَوَّلِ تَبْطُلُ أَيْ: مِنْ حِينِ الْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ بِالْإِذْنِ عَنْ كَوْنِهِ مُسْتَعِيرًا وَصَارَ وَكِيلًا بِرْمَاوِيٌّ وَيَبْرَأُ مِنْ الضَّمَانِ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: تَعْيِينٌ) سَكَتَ عَنْ هَذَا فِي الْمُعِيرِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعْيِينُ كَالْمُعَارِ فَلَوْ قَالَ: لِاثْنَيْنِ لِيُعِرْنِي أَحَدُكُمَا كَذَا، فَدَفَعَهُ لَهُ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ صَحَّ وَعَلَيْهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ بِأَنَّ الدَّفْعَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِضًا بِإِتْلَافِ مَنْفَعَةِ مَتَاعِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالْمُسْتَعِيرِ فَلَا يَصِحُّ. وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ ع ش. (قَوْلُهُ: فَلَا تَصِحُّ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ) فَلَوْ فَرَشَ بِسَاطَهُ لِمَنْ يَجْلِسُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عَارِيَّةً بَلْ مُجَرَّدَ إبَاحَةٍ شَرْحُ م ر

<<  <  ج: ص:  >  >>