للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ بِلَا تَقْصِيرٍ (ضَمِنَهُ) بَدَلًا أَوْ أَرْشًا لِخَبَرِ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَيَضْمَنُ التَّالِفَ بِالْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا كَخَشَبٍ وَحَجَرٍ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ جَمْعٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ: يَضْمَنُ الْمِثْلِيَّ بِالْمِثْلِ وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيُّ وَهُوَ الْأَوْجَهُ، أَمَّا تَلَفُهُ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، فَلَا ضَمَانَ لِلْإِذْنِ فِيهِ (لَا مُسْتَعِيرٌ مِنْ نَحْوِ مُكْتِرٍ) كَمُوصَى لَهُ بِمَنْفَعَتِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ وَهُوَ لَا يَضْمَنُ، فَكَذَا هُوَ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ إجَارَةٍ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّ مُعِيرَهُ ضَامِنٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ، قَالَ: وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلَا يُقَالُ: حُكْمُ الْفَاسِدَةِ حُكْمُ الصَّحِيحَةِ فِي كُلِّ مَا تَقْتَضِيهِ، بَلْ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ بِمَا تَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ فَقَطْ وَنَحْوُ مِنْ زِيَادَتِي (كَتَالِفٍ فِي شُغْلِ مَالِكٍ) تَحْتَ يَدِ غَيْرِهِ كَأَنْ تَسَلَّمَ مِنْهُ دَابَّتَهُ لِيُرَوِّضَهَا لَهُ أَوْ لِيَقْضِيَ لَهُ عَلَيْهَا حَاجَةً فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُهُ.

(وَلَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَعِيرِ (انْتِفَاعٌ مَأْذُونٌ) فِيهِ (وَمِثْلُهُ) وَدُونَهُ الْمَفْهُومُ بِالْأَوْلَى (ضَرَرًا إلَّا إنْ نَهَاهُ) الْمُعِيرُ عَنْ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ فَلَا يَفْعَلُهُ اتِّبَاعًا لِنَهْيِهِ (فَ) الْمُسْتَعِيرُ (لِزِرَاعَةِ بُرٍّ) بِلَا نَهْيٍ (يَزْرَعُهُ وَشَعِيرًا وَفُولًا) لَا نَحْوَ ذُرَةٍ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا فِي الْأَرْضِ دُونَ ضَرَرِ الْبُرِّ، وَضَرَرَ نَحْوِ الذَّرَّةِ فَوْقَهُ (لَا عَكْسُهُ) أَيْ: وَالْمُسْتَعِيرُ لِزِرَاعَةِ شَعِيرٍ أَوْ فُولٍ لَا يَزْرَعُ بُرًّا لِمَا عُلِمَ (وَ) الْمُسْتَعِيرُ (لِبِنَاءٍ أَوْ غَرْسٍ يَزْرَعُ لَا عَكْسُهُ) أَيْ: وَالْمُسْتَعِيرُ لِزِرَاعَةِ لَا يَبْنِي وَلَا يَغْرِسُ لِأَنَّ ضَرَرَهُمَا أَكْثَرُ (وَ) الْمُسْتَعِيرُ (لِبِنَاءٍ لَا يَغْرِسُ وَعَكْسُهُ) أَيْ: وَالْمُسْتَعِيرُ لِغَرْسٍ لَا يَبْنِي لِاخْتِلَافِ جِنْسِ الضَّرَرِ؛ إذْ ضَرَرُ الْبِنَاءِ فِي ظَاهِرِ الْأَرْضِ أَكْثَرُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: وَلَوْ بِلَا تَقْصِيرٍ) كَأَنْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَإِنَّهُ يُضْمَنُ. (قَوْلُهُ: ضَمِنَهُ) فَلَوْ أَعَارَ بِشَرْطِ عَدَمِ الضَّمَانِ فَسَدَتْ، كَمَا اعْتَمَدَهُ م ر وَقِيلَ يَلْغُو الشَّرْطُ فَقَطْ كَمَا قَالَهُ س ل. وَعِبَارَةُ ق ل ضَمِنَهُ وَإِنْ شَرَطَ أَنَّهُ أَمَانَةٌ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مُفْسِدٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَشَرْطُ رَهْنٍ فِيهَا أَوْ ضَمَانِهِ لَهَا بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ بِذَلِكَ، وَشَرَطَ أَنْ لَا ضَمَانَ فَاسِدٌ لَا مُفْسِدٌ وَلَوْ وَلَدَتْ حَالَ الْعَارِيَّةِ فَالْوَلَدُ أَمَانَةٌ شَرْعِيَّةٌ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ إنْ تَمَكَّنَ وَيَضْمَنُ إنْ قَصَّرَ.

(قَوْلُهُ: وَيُضْمَنُ التَّالِفُ بِالْقِيمَةِ) وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا؛ لِأَنَّا لَوْ أَخَذْنَا مِثْلَهُ حِينَئِذٍ لَزِمَ ضَمَانُ مَا فَاتَ بِالِاسْتِعْمَالِ وَلَعَلَّ كَلَامَ السُّبْكِيّ أَنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْمِثْلِ وَقْتَ التَّلَفِ ح ل.

(قَوْلُهُ: لَا مُسْتَعِيرٌ) مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي ضَمِنَهُ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ وَهُوَ الْهَاءُ. (قَوْلُهُ: مِنْ نَحْوِ مُكْتِرٍ) أَيْ: اكْتِرَاءً أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ: بِخِلَافِ إلَخْ. (قَوْلُهُ: كَمُوصًى لَهُ بِمَنْفَعَتِهِ) أَيْ: وَمَوْقُوفٍ عَلَيْهِ لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ اسْتِيفَاءَهُ بِنَفْسِهِ وَأَذِنَ النَّاظِرُ، كَمَا فِي م ر قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَالضَّابِطُ لِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُسْتَحَقَّةً لِشَخْصٍ اسْتِحْقَاقًا لَازِمًا وَلَيْسَتْ الرَّقَبَةُ لَهُ فَإِذَا أَعَارَ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ فَدَخَلَ مَا لَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ مَنْفَعَةً أَوْ صَالَحَ عَلَى مَنْفَعَةٍ أَوْ جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ مَنْفَعَةً س ل بِزِيَادَةٍ.

(قَوْلُهُ: فَلَا ضَمَانَ) لِلْإِذْنِ فِيهِ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْهَدْيُ وَالْأُضْحِيَّةُ الْمَنْذُورَانِ فَإِذَا وَقَعَتْ الْإِعَارَةُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ الذَّبْحِ فَنُقِضَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ ضَمِنَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ لَنَا عَارِيَّةٌ جَائِزَةٌ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ يَضْمَنُ الْمُعِيرُ فِيهَا إلَّا هَذِهِ س ل. وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ م ر. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُعِيرَهُ ضَامِنٌ) أَيْ: مِنْ حَيْثُ تَعَدِّيهِ بِالْعَارِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا فَلَا يَرِدُ أَنَّ الْإِجَارَةَ الْفَاسِدَةَ كَالصَّحِيحَةِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: بِأَنَّهُ فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ) فَلِذَلِكَ صَارَ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ ح ل. (قَوْلُهُ: فِي كُلِّ مَا تَقْتَضِيهِ) أَيْ: حَتَّى تَصِحَّ الْإِعَارَةُ ح ل. (قَوْلُهُ: بَلْ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ بِمَا تَنَاوَلَهُ الْإِذْنُ) أَيْ: وَالْإِذْنُ فِي الْفَاسِدَةِ لَمْ يَتَنَاوَلْ الْإِعَارَةَ ح ل؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ فِيهَا لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: فِي شَغْلِ مَالِكٍ) فِي الْمِصْبَاحِ شَغَلَهُ الْأَمْرُ شَغْلًا مِنْ بَابِ " نَفَعَ " فَالْأَمْرُ شَاغِلٌ وَالِاسْمُ الشُّغُلُ بِضَمِّ الشِّينِ وَبِضَمِّ الْغَيْنِ، وَتُسَكَّنُ لِلتَّخْفِيفِ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ: لِيُرَوِّضَهَا) أَيْ: يُعَلِّمَهَا الْمَشْيَ الَّذِي يَسْتَرِيحُ بِهِ رَاكِبُهَا انْتَهَى شَرْحُ م ر.

. (قَوْلُهُ: وَلَهُ انْتِفَاعٌ مَأْذُونٌ) نَعَمْ لَوْ أَعَارَهُ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا لِمَحَلِّ كَذَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلرُّكُوبِ فِي رُجُوعِهِ جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ فِيهِ، كَمَا نَقَلَاهُ وَأَقَرَّاهُ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْإِجَارَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا لُزُومُ الرَّدِّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ فَيَتَنَاوَلُ الْإِذْنُ الرُّكُوبَ فِي عَوْدِهِ عُرْفًا وَلَا كَذَلِكَ الْمُسْتَأْجِرُ فَلَا رَدَّ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ رَدٌّ كَالْمُسْتَأْجِرِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ وَلَوْ جَاوَزَ الْمَحَلَّ الْمَشْرُوطَ لَزِمَهُ أُجْرَةٌ لِلذَّهَابِ مِنْهُ وَالْعَوْدُ إلَيْهِ، وَلَهُ الرُّجُوعُ مِنْهُ، كَمَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعَارِيَّةُ لَا تَبْطُلُ بِالْمُخَالَفَةِ وَهُوَ مَا صَحَّحَاهُ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ: جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ أَيْ: وَجَازَ لَهُ الذَّهَابُ وَالْعَوْدُ فِي أَيِّ طَرِيقٍ أَرَادَ إنْ تَعَدَّدَتْ الطُّرُقُ وَلَوْ اخْتَلَفَتْ؛ لِأَنَّ سُكُوتَ الْمُعِيرِ عَنْ ذَلِكَ رِضًا مِنْهُ بِكُلِّهَا ع ش.

(قَوْلُهُ: وَفُولًا) وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعَارَ لِشَعِيرٍ لَا يَزْرَعُ فُولًا بِخِلَافِ عَكْسِهِ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: لَا عَكْسِهِ) وَحَيْثُ زَرَعَ مَا لَيْسَ لَهُ زَرْعُهُ فَلِلْمَالِكِ قَلْعُهُ مَجَّانًا، وَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ لَزِمَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ أَيْ: جَمِيعُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ م ر وَقِيلَ: مَا بَيْنَ زِرَاعَةِ الذُّرَةِ مَثَلًا وَزِرَاعَةِ الْبُرِّ وَلَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَزْرَعَ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ وَلَا يَكُونُ هَذَا رُجُوعًا عَنْ ذَلِكَ مِنْ الْمُعِيرِ وَفِي كَلَامِ شَيْخِنَا، وَالْمُسْتَعِيرُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا فَهُوَ بِعُدُولِهِ عَنْ الْجِنْسِ كَالرَّادِّ لِمَا أُبِيحَ لَهُ ح ل مَعَ زِيَادَةٍ وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ وَلَا تَبْطُلُ الْعَارِيَّةُ بِالْمُخَالَفَةِ كَمَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ (قَوْلُهُ: لِمَا عُلِمَ) أَيْ: لِأَنَّ ضَرَرَهُ فَوْقَ ضَرَرِهِمَا.

(قَوْلُهُ: لَا يَبْنِي وَلَا يَغْرِسُ) مَحَلُّ الْمَنْعِ مِنْ الْغِرَاسِ مَا يُرَادُ لِلدَّوَامِ، أَمَّا مَا يُغْرَسُ لِلنَّقْلِ فِي عَامِهِ وَيُسَمَّى الْفَسِيلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>