للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ دُخُولِهَا إلَّا بِأُجْرَةٍ، أَمَّا دُخُولُهَا لَهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ كَتَنَزُّهٍ فَمُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ (وَلِكُلٍّ) مِنْهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ وَمُنْفَرِدَيْنِ (بَيْعُ مِلْكِهِ) مِمَّنْ شَاءَ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ، حَتَّى لَوْ بَاعَا مِلْكَيْهِمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ صَحَّ لِلضَّرُورَةِ وَوُزِّعَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي بَيْعِ الْمُسْتَعِيرِ تَمَكُّنُ الْمُعِيرِ مِنْ تَمَلُّكِهِ مَالَهُ كَتَمَكُّنِ الشَّفِيعِ مِنْ تَمَلُّكِ الشِّقْصِ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ وَلَهُ حُكْمُ مَنْ بَاعَهُ مِنْ مُعِيرٍ وَمُسْتَعِيرٍ فِيمَا مَرَّ لَهُمَا.

(وَإِذَا رَجَعَ قَبْلَ إدْرَاكِ زَرْعٍ) بِقَيْدٍ زِدْتُهُ بِقَوْلِي (لَمْ يَعْتَدْ قَلْعَهُ) قَبْلَ إدْرَاكِهِ أَوْ نَقَصَ (لَزِمَهُ تَبْقِيَتُهُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى قَلْعِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَمَدًا يُنْتَظَرُ، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ (بِأُجْرَةٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ انْقَطَعَتْ بِالرُّجُوعِ فَإِنْ اُعْتِيدَ قَلْعُهُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ أَوْ لَمْ يَنْقُصْ أُجْبِرَ عَلَى قَلْعِهِ (وَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يُدْرِكْ فِيهَا لِتَقْصِيرٍ) مِنْ الْمُسْتَعِيرِ إمَّا بِتَأْخِيرِ الزِّرَاعَةِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ الْأَصْلُ أَوْ بِهَا كَأَنْ عَلَا الْأَرْضَ سَيْلٌ أَوْ ثَلْجٌ أَوْ نَحْوُهُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الزَّرْعُ، ثُمَّ زَرَعَ بَعْدَ زَوَالِهِ، وَهُوَ لَا يُدْرَكُ فِي الْمُدَّةِ (قَلَعَ) أَيْ: الْمُعِيرُ (مَجَّانًا) بِخِلَافِ مَا إذَا تَأَخَّرَ إدْرَاكُهُ لَا لِتَقْصِيرِهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

انْتَهَى شَرْحُ م ر قَالَ ع ش: لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْقَيْدِ يَعْنِي قَوْلَهُ: بِغَيْرِ آلَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ الِاحْتِرَازُ عَمَّا يُمْكِنُ إعَادَتُهَا بِدُونِهِ كَالْحَدِيدِ مِنْ الْخَشَبِ وَالْآجُرِّ أَمَّا نَحْوُ الطِّينِ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ لِإِصْلَاحِ الْمُنْهَدِمِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ أَجْنَبِيًّا.

(قَوْلُهُ: لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ دُخُولِهَا إلَّا بِأُجْرَةٍ) هُوَ أَوْضَحُ إنْ قُلْنَا: لَا أُجْرَةَ لِمُدَّةِ الْإِعْرَاضِ، وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِذَلِكَ إلَّا أَنْ يُرَادَ أُجْرَةٌ لِدُخُولِهِ زِيَادَةً عَلَى أُجْرَةِ الْأَرْضِ ق ل. وَفِي ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ: إلَّا بِأُجْرَةٍ أَيْ: لِدُخُولِهِ، وَإِلَّا فَتَقَدَّمَ أَنَّ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ أُجْرَةَ الْأَرْضِ مُدَّةَ التَّوَقُّفِ، لَكِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ قَرِيبًا أَنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ لُزُومِ الْأُجْرَةِ مُدَّةَ التَّوَقُّفِ. (قَوْلُهُ: كَتَنَزُّهٍ) هُوَ مَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ أَصْلِهِ بِالتَّفَرُّجِ، لَكِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يَعُدُّونَ التَّنَزُّهَ بِمَعْنَى التَّفَرُّجِ مِنْ لَحْنِ الْعَامَّةِ؛ لِأَنَّ التَّنَزُّهَ الْبُعْدُ عَنْ الْمِيَاهِ وَالْبِلَادِ، " وَالتَّفَرُّجُ " لَفْظَةٌ مُوَلَّدَةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنْ انْفِرَاجِ الْهَمِّ وَهُوَ انْكِشَافُهُ. انْتَهَى ز ي ع ش. (قَوْلُهُ: لِلضَّرُورَةِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: إنَّ الْبَيْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِمَا يَخُصُّ كُلًّا مِنْهُمَا حَالَةَ الْعَقْدِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ اُغْتُفِرَ هُنَا أَيْ: فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلضَّرُورَةِ هَذَا مُرَادُهُ وَلَمْ يَظْهَرْ وُجُودُ الضَّرُورَةِ هُنَا لِتَمَكُّنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ بَيْعِ مِلْكِهِ بِثَمَنٍ مُسْتَقِلٍّ، فَلَا ضَرُورَةَ دَاعِيَةٌ إلَى أَنْ يَبِيعَاهُمَا بِثَمَنٍ وَاحِدٍ انْتَهَى. نَعَمْ تُتَصَوَّرُ الضَّرُورَةُ بِمَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَشْتَرِي مَا لِكُلٍّ عَلَى حِدَتِهِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّرُورَةِ قَطْعُ النِّزَاعِ.

(قَوْلُهُ: وَوُزِّعَ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا) وَكَيْفِيَّةُ التَّوْزِيعِ مَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ: أَنْ يُوَزَّعَ الثَّمَنُ عَلَى الْأَرْضِ مَشْغُولَةً بِالْغِرَاسِ أَوْ الْبِنَاءِ وَعَلَى مَا فِيهَا وَحْدَهُ مُسْتَحَقَّ الْقَلْعِ، فَحِصَّةُ الْأَرْضِ لِلْمُعِيرِ وَحِصَّةُ مَا فِيهَا لِلْمُسْتَعِيرِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَصَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُمَا خِلَافًا لِلْمُتَوَلِّي ز ي، فَلَوْ بَاعَ الْجَمِيعُ بِثَلَاثِينَ وَقِيمَةُ الْأَرْضِ مَشْغُولَةٌ وَحْدَهَا عَشْرَةٌ، وَقِيمَةُ مَا فِيهَا مُسْتَحَقَّ الْقَلْعِ خَمْسَةٌ كَانَ لِلْمُعِيرِ عِشْرُونَ وَلِلْمُسْتَعِيرِ عَشْرَةٌ.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُؤَثِّرُ فِي بَيْعِ الْمُسْتَعِيرِ) أَيْ: فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ مُنْفَرِدًا لِغَيْرِ الْمُعِيرِ وَغَرَضُهُ بِهَذَا الرَّدُّ عَلَى الضَّعِيفِ، وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ وَقِيلَ: لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيْعُهُ لِثَالِثٍ. قَالَ م ر: إذْ بَيْعُهُ غَيْرُ مُسْتَقَرٍّ؛ لِأَنَّ لِلْمُعِيرِ تَمَلُّكَهُ، وَرُدَّ بِأَنَّ غَايَتَهُ أَنَّهُ كَشِقْصٍ مَشْفُوعٍ. انْتَهَى. فَقَوْلُ شَارِحِنَا: كَتَمَكُّنِ الشَّفِيعِ إلَخْ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: وَلَا يُؤَثِّرُ إلَخْ وَهَذَا الْقِيَاسُ أَوْلَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بَيْعُ نَصِيبِهِ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ مَعَ أَنَّ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ قَهْرًا، جَازَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَبِيعَ مِلْكَهُ لِغَيْرِ الْمُعِيرِ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ وَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِهِ لَكِنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ إلَّا بِرِضَا الْمُسْتَعِيرِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ التَّمَلُّكَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ عَقْدٍ، وَمِنْ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ إذَا امْتَنَعَ مِنْ مُوَافَقَةِ الْمُعِيرِ كُلِّفَ تَفْرِيغَ الْأَرْضِ، وَلَا يَأْخُذُ الْمُعِيرُ قَهْرًا عَنْهُ. انْتَهَى. (قَوْلُهُ: كَتَمَكُّنِ الشَّفِيعِ) أَيْ: فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِي صِحَّةِ بَيْعِ صَاحِبِ الشِّقْصِ الْمَشْفُوعِ لِغَيْرِ الشَّفِيعِ الَّذِي هُوَ الشَّرِيكُ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الشَّرِيكَ إنَّمَا جُوِّزَ لَهُ الْبَيْعُ لِأَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ لِشَرِيكِهِ الْأَخْذَ قَهْرًا بِالشُّفْعَةِ وَلَا كَذَلِكَ الْمُعِيرُ فَهُوَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَمَّا كَانَ الْمُعِيرُ مُقَصِّرًا بِتَرْكِ الِاخْتِيَارِ لَمْ يُنْظَرْ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّ عَدَمَ اخْتِيَارِهِ لِوَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ بِالتَّمَلُّكِ، وَأَيْضًا فَلَوْ مُنِعَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْبَيْعِ لَثَبَتَ التَّحَجُّرُ عَلَى الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَلَهُ حُكْمُ مَنْ بَاعَهُ إلَخْ) فَإِذَا اشْتَرَى مِنْ الْمُعِيرِ خُيِّرَ بَيْنَ الثَّلَاثِ خِصَالٍ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي قَوْلِهِ: وَإِلَّا خُيِّرَ بَيْنَ الثَّلَاثِ خِصَالٍ إلَخْ وَإِذَا اشْتَرَى مِنْ الْمُسْتَعِيرِ يَأْتِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ قَلْعَهُ لَزِمَهُ إلَخْ

. (قَوْلُهُ: وَإِذَا رَجَعَ) أَيْ: الْمُعِيرِ بَعْدَ أَنْ أَعَارَ أَرْضًا لِزِرَاعَةٍ وَأَطْلَقَ. (قَوْلُهُ: وَنَقَصَ) أَيْ: بِالْقَلْعِ. (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ) أَيْ: فَلَيْسَ لَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَبْقِيَتُهُمَا. (قَوْلُهُ: بِأُجْرَةٍ) أَيْ أُجْرَةِ مُدَّةِ الْإِبْقَاءِ مِنْ وَقْتِ رُجُوعِهِ إلَى حَصَادِهِ لِانْقِطَاعِ الْإِبَاحَةِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَعَارَ دَابَّةً، ثُمَّ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فَإِنَّ عَلَيْهِ نَقْلَ مَتَاعِهِ إلَى مَأْمَنٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ نَفْسِهِ، إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ أَوْ خَافَ شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: أَوْ بِهَا) أَيْ بِالزِّرَاعَةِ أَيْ: بِسَبَبِ الزِّرَاعَةِ نَفْسِهَا لَا بِسَبَبِ تَأَخُّرِهِ هُوَ. (قَوْلُهُ: قَلَعَ أَيْ: الْمُعِيرُ مَجَّانًا) أَيْ: لِتَقْصِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ حِينَئِذٍ أَنْ لَا يَزْرَعَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>