بِخِلَافِ دَاخِلِ الْحَمَّامِ بِلَا إذْنٍ، فَإِنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ الْحَمَّامِ بِسُكُوتِهِ، وَبِخِلَافِ عَامِلِ الْمُسَاقَاةِ إذَا عَمِلَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ لِلْإِذْنِ فِي أَصْلِ الْعَمَلِ الْمُقَابَلِ بِعِوَضٍ
، (وَلَوْ اكْتَرَى) دَابَّةً (لِحَمْلِ قَدْرٍ) كَمِائَةِ رَطْلٍ (فَحَمَلَ زَائِدًا) لَا يُتَسَامَحُ بِهِ كَمِائَةٍ وَعَشْرَةٍ (لَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ) أَيْ: الزَّائِدِ لِتَعَدِّيهِ بِذَلِكَ، وَتَعْبِيرِي فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا بِمَا ذَكَر أَعَمُّ مِمَّا عَبَّرَ بِهِ (وَإِنْ تَلِفَتْ) بِذَلِكَ أَوْ بِغَيْرِهِ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ: تَلِفَتْ بِذَلِكَ (ضَمِنَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا لَهَا بِتَحْمِيلِ الزَّائِدِ (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ مَعَهَا (ضَمِنَ قِسْطَ الزَّائِدِ إنْ تَلِفَتْ بِالْحَمْلِ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ (كَمَا لَوْ سَلَّمَ) الْمُكْتَرِي (ذَلِكَ لِلْمُكْرِي فَحَمَلَهُ جَاهِلًا) بِالزَّائِدِ بِأَنْ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ مِائَةٌ كَاذِبًا، فَتَلِفَتْ الدَّابَّةُ بِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَعَ أُجْرَةِ الزَّائِدِ قِسْطَهُ؛ لِأَنَّهُ مُلْجَأٌ إلَى الْحَمْلِ شَرْعًا، فَلَوْ حَمَّلَهَا عَالِمًا بِالزَّائِدِ وَقَالَ لَهُ الْمُكْتَرِي: احْمِلْ هَذَا الزَّائِدَ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَكَمُسْتَعِيرٍ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: لَهُ شَيْئًا فَحُكْمُهُ كَمَا فِي قَوْلِي، (وَلَوْ وَزَنَ الْمُكْرِي، وَحَمَّلَ فَلَا أُجْرَةَ لِلزَّائِدِ) ؛ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِي نَقْلِهِ (وَلَا ضَمَانَ) لِلدَّابَّةِ إنْ تَلِفَتْ بِذَلِكَ سَوَاءٌ أَغَلِطَ الْمُكْرِي أَمْ لَا؟ ، وَسَوَاءٌ أَجَهِلَ الْمُكْتَرِي الزَّائِدَ أَمْ عَلِمَهُ وَسَكَتَ؟ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ، وَلَا يَدَ لَهُ وَلَوْ تَلِفَ الزَّائِدُ ضَمِنَهُ الْمُكْرِي
، (وَلَوْ قَطَعَ ثَوْبًا وَخَاطَهُ قَبَاءً وَقَالَ: بِذَا أَمَرْتنِي فَقَالَ) الْمَالِكُ: (بَلْ) أَمَرْتُك بِقَطْعِهِ (قَمِيصًا حَلَفَ الْمَالِكُ) ، فَيُصَدَّقُ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْإِذْنِ فَيَحْلِفُ أَنَّهُ مَا أَذِنَ لَهُ فِي قَطْعِهِ قَبَاءً (وَلَا أُجْرَةَ) عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ (وَلَهُ) عَلَى الْخَيَّاطِ (أَرْشُ) نَقْصِ الثَّوْبِ، لِأَنَّ الْقَطْعَ بِلَا إذْنٍ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا بِلَا تَرْجِيحٍ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ صَحِيحًا وَمَقْطُوعًا وَصَحَّحَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونٍ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ فِي قَطْعِهِ قَبَاءً، وَالثَّانِي مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَقْطُوعًا قَمِيصًا وَمَقْطُوعًا قَبَاءً وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَقَالَ: لَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ أَصْلَ الْقَطْعِ مَأْذُونٌ فِيهِ وَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ أَوْ كَانَ مَقْطُوعًا قَبَاءً أَكْثَرَ قِيمَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِالْأَعْوَاضِ. اهـ. ح ل، وَقَوْلُهُ اسْتَحَقَّهَا أَيْ: أُجْرَةَ الْمِثْلِ كَمَا فِي ق ل. (قَوْلُهُ بِخِلَافِ دَاخِلِ الْحَمَّامِ) ، وَمِثْلُهُ دَاخِلُ السَّفِينَةِ أَيْ: وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ وَالسَّفِينَةِ بِغَيْرِ إذْنِ رَبِّهِمَا، وَمَحَلُّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ إنْ كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَلَا أُجْرَةَ. اهـ. م ر وَمِنْهُ مَا يَقَعُ مِنْ الْمَعَدَّاوِيِّ مِنْ قَوْلِهِ انْزِلْ أَوْ يَحْمِلُهُ وَيَنْزِلُ فِيهَا كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ بِخِلَافِ دَاخِلِ الْحَمَّامِ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ مَعَ صَرْفِ الْعَامِلِ إلَخْ، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ عَامِلِ الْمُسَاقَاةِ مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ لِعَدَمِ الْتِزَامِهَا، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر، وَلَا يُسْتَثْنَى وُجُوبُهَا عَلَى دَاخِلِ الْحَمَّامِ وَرَاكِبِ السَّفِينَةِ مَثَلًا مِنْ غَيْرِ إذْنٍ لِاسْتِيفَائِهِ الْمَنْفَعَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْرِفَهَا صَاحِبُهَا إلَيْهِ بِخِلَافِهِ بِإِذْنٍ. اهـ
(قَوْلُهُ كَمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ) تَمْثِيلُهُ بِالْعَشَرَةِ لِإِفَادَةِ اغْتِفَارِ نَحْوِ الِاثْنَيْنِ مِمَّا يَقَعُ بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ عَادَةً شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ وَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهَا) أَيْ: ضَمَانَ الْمَغْصُوبِ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ وَهِيَ قَوْلُ الشَّارِحِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا لَهَا بِتَحْمِيلِ الزَّائِدِ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ صَارَ غَاصِبًا لَهَا) فَيَضْمَنُهَا كُلَّهَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ، وَحِينَئِذٍ يَضْمَنُهَا لَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ هَذَا السَّبَبِ. اهـ. ح ل؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ يَدٍ قَالَهُ م ر. (قَوْلُهُ قِسْطَ الزَّائِدِ) وَلِهَذَا لَوْ سَخَّرَ رَجُلًا وَدَابَّتَهُ فَمَاتَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسَخِّرِ لِتَلَفِهَا فِي يَدِ مَالِكِهَا شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ إنْ تَلِفَتْ بِالْحَمْلِ) فَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِهِ فَلَا ضَمَانَ. اهـ. ح ل. (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَعَ أُجْرَةِ الزَّائِدِ) أَيْ: إذَا كَانَ الْمَالِكُ مَعَهَا وَإِلَّا ضَمِنَهَا كُلَّهَا ح ل وسم. (قَوْلُهُ فَكَمُسْتَعِيرٍ لَهُ) أَيْ: لِلزَّائِدِ فَيَضْمَنُ الْقِسْطَ مِنْ الدَّابَّةِ إنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ الْمَحْمُولِ دُونَ مَنْفَعَتِهَا ح ل وَع ش، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُكْتَرِيَ كَالْمُسْتَعِيرِ لَهُ أَيْ: لِلزَّائِدِ أَيْ: كَأَنَّهُ اسْتَعَارَ الدَّابَّةَ لِأَجْلِ حَمْلِ الزَّائِدِ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لَهُ. (قَوْلُهُ فَلَا أُجْرَةَ) وَلَوْ كَانَ الْمُؤَجِّرَ. وَحَمَلَ الْمُسْتَأْجِرُ فَكَمَا لَوْ كَالَ بِنَفْسِهِ وَحَمَلَ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِالزِّيَادَةِ أَمْ لَا، وَلَوْ وَضَعَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمِائَةَ وَالْعَشَرَةَ عَلَى الدَّابَّةِ فَسَيَّرَهَا الْمُؤَجِّرُ فَكَمَا لَوْ حَمَلَهَا الْمُؤَجِّرُ وَلَوْ وَجَدَ الْمَحْمُولَ عَلَى الدَّابَّةِ نَاقِصًا عَنْ الْمَشْرُوطِ نَقْصًا يُؤَثِّرُ، وَقَدْ كَالَهُ الْمُؤَجِّرُ حَطَّ قِسْطَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ فِي الذِّمَّةِ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ إجَارَةَ عَيْنٍ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْمُسْتَأْجِرُ النَّقْصَ فَإِنْ عَلِمَ لَمْ يُحَطَّ شَيْءٌ مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ حَصَلَ، وَهُوَ كَافٍ فِي تَقْرِيرِ الْأُجْرَةِ انْتَهَى س ل
. (قَوْلُهُ قَبَاءً) الْقَبَاءُ مَمْدُودٌ وَجَمْعُهُ أَقْبِيَةٌ. (قَوْلُهُ وَقَالَ بِذَا أَمَرْتنِي) فَعَلَيْك الْأُجْرَةُ وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ أَمَرْتُك بِقَطْعِهِ قَمِيصًا أَيْ: فَعَلَيْك الْأَرْشُ وَلَوْ أَحْضَرَ الْخَيَّاطُ ثَوْبًا فَقَالَ رَبُّ الثَّوْبِ لَيْسَتْ هَذِهِ ثَوْبِي، وَقَالَ: الْخَيَّاطُ بَلْ هِيَ ثَوْبُك صُدِّقَ الْخَيَّاطُ ح ل لِأَنَّهُ أَمِينٌ أَيْ: وَصَارَ الْخَيَّاطُ مُقِرًّا بِهَا لِمَنْ يُنْكِرُهَا فَلَا يَسْتَحِقُّهَا إلَّا بِإِقْرَارٍ جَدِيدٍ انْتَهَى م ر سم. (قَوْلُهُ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ إذَا حَلَفَ) إذْ لَا تَجِبُ إلَّا مَعَ الْإِذْنِ، وَقَدْ ثَبَتَ انْتِفَاؤُهُ بِيَمِينِهِ م ر وَحَيْثُ قُلْنَا: لَا أُجْرَةَ لِلْخَيَّاطِ فَلَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بِهَا عَلَى الْمَالِكِ فَإِنْ نَكَلَ فَفِي تَجْدِيدِ الْيَمِينِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَصَحُّهُمَا التَّجْدِيدَ وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ: لِخَيَّاطٍ إنْ كَانَ هَذَا الثَّوْبُ يَكْفِينِي قَمِيصًا فَاقْطَعْهُ فَقَطَعَهُ فَلَمْ يَكْفِهِ ضَمِنَ الْأَرْشَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَحْصُلْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: هَلْ يَكْفِينِي فَقَالَ: نَعَمْ فَقَالَ: اقْطَعْ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ مُطْلَقٌ وم ر.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَثْبَتُ إلَخْ) لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعَى؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْخَاصِّ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْعَامِّ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ ضَعِيفًا. (قَوْلُهُ وَالثَّانِي مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَقْطُوعًا قَمِيصًا إلَخْ) وَلِلْخَيَّاطِ نَزْعُ خَيْطِهِ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِ النَّزْعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute