للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَلْ أَوْلَى وَصَحَّحَ الْأَصْلُ بُطْلَانَهَا نَظِيرَ مَا مَرَّ لَهُ فِي بَيْعِهِ وَمَا تَقَرَّرَ هُوَ فِي هِبَةِ غَيْرِ الْمَنَافِعِ، أَمَّا هِبَتُهَا فَفِيهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وُهِبَتْ مَنَافِعُهُ عَارِيَّةٌ وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَالثَّانِي أَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا وُهِبَتْ مَنَافِعُهُ أَمَانَةٌ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالسُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُمَا.

(وَتَصِحُّ بِعُمْرَى وَرُقْبَى) فَالْعُمْرَى (كَأَعْمَرْتُك هَذَا) أَيْ جَعَلْته لَك عُمُرَك (وَإِنْ زَادَ فَإِذَا مِتَّ عَادَ لِي) وَلَغَا الشَّرْطُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا» (وَ) الرُّقْبَى كَ (أَرْقَبْتُكَهُ أَوْ جَعَلْته لَك رُقْبَى) أَيْ إنْ مِتَّ قَبْلِي عَادَ لِي وَإِنْ مِتُّ قَبْلَك اسْتَقَرَّ لَك وَلَغَا الشَّرْطُ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد «لَا تَعْمُرُوا وَلَا تَرْقُبُوا فَمَنْ أَرْقَبَ شَيْئًا أَوْ أَعْمَرَهُ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ» أَيْ لَا تَعْمُرُوا وَلَا تَرْقُبُوا طَمَعًا فِي أَنْ يَعُودَ إلَيْكُمْ فَإِنَّ سَبِيلَهُ الْمِيرَاثُ وَالرُّقْبَى مِنْ الرُّقُوبِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا يَرْقُبُ مَوْتَ الْآخَرِ.

(وَشُرِطَ فِي مِلْكِ مَوْهُوبٍ) بِالْهِبَةِ الْمُطْلَقَةِ (قَبْضٌ بِإِذْنٍ) فِيهِ مِنْ وَاهِبٍ (أَوْ إقْبَاضٌ) مِنْهُ وَإِنْ تَرَاخَى الْقَبْضُ عَنْ الْعَقْدِ أَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ بِيَدِ الْمُتَّهَبِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْقَبْضِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَكْفِي هُنَا الْإِتْلَافُ وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْوَاهِبُ وَلَا الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِلَا إذْنٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقِّ الْقَبْضِ كَقَبْضِ الْوَدِيعَةِ فَاعْتُبِرَ تَحْقِيقُهُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ (فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْقَبْضِ (خَلَفَهُ وَارِثُهُ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

بِصِحَّةِ هِبَتِهِ بِالْأَوْلَى مِنْ صِحَّةِ بَيْعِهِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: بَلْ أَوْلَى) ؛ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ بَيْعُهُ مَعَ كَوْنِهِ مُقَابَلًا بِعِوَضٍ فَهِبَتُهُ أَوْلَى إذْ لَا عِوَضَ فِيهَا اهـ س ل (قَوْلُهُ: وَمَا تَقَرَّرَ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ هِيَ تَمْلِيكُ تَطَوُّعٍ إلَخْ وَقَوْلُهُ: بِنَاءً عَلَى أَنَّ. . . إلَخْ اُنْظُرْ مَا وَجْهُ الْبِنَاءِ فِي هَذَا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ (قَوْلُهُ: لَيْسَتْ بِتَمْلِيكٍ) أَيْ فَلَا تَصِحُّ هِبَتُهَا (قَوْلُهُ: عَارِيَّةٌ) أَيْ فَإِذَا تَلِفَتْ ضَمِنَهَا الْمُتَّهِبُ بِخِلَافِ الْقَوْلِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: وَالثَّانِي أَنَّهَا تَمْلِيكٌ) أَيْ فَتَصِحُّ هِبَتُهَا وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ فَلَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَبْضِ وَهُوَ بِالِاسْتِيفَاءِ لَا بِقَبْضِ الْعَيْنِ ثُمَّ قَالَ م ر: وَفَارَقَتْ الْإِجَارَةَ بِالِاحْتِيَاجِ فِيهَا لِتَقَرُّرِ الْأُجْرَةِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَنْفَعَةِ اهـ وَقَوْلُهُ: وَهُوَ بِالِاسْتِيفَاءِ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤَجِّرُ وَلَا يُعِيرُ اهـ سم عَلَى ابْنِ حَجَرٍ.

أَقُولُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ لِلْمَالِكِ الرُّجُوعَ مَتَى شَاءَ لِعَدَمِ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ قَبْلَ اسْتِيفَائِهَا وَقَوْلُهُ: وَفَارَقَتْ الْإِجَارَةَ أَيْ حَيْثُ جَعَلَ فِيهَا قَبْضَ الْمَنْفَعَةِ بِقَبْضِ الْعَيْنِ حَتَّى يَجُوزَ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْإِجَارَةِ وَغَيْرِهَا اهـ ع ش.

(قَوْلُهُ: وَتَصِحُّ بِعُمْرَى. . . إلَخْ) هَذَا فِي قُوَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ وَشُرِطَ فِيهَا مَا فِي الْبَيْعِ إذْ كَانَ مُقْتَضَاهُ الْفَسَادَ لِاشْتِمَالِهِمَا عَلَى التَّأْقِيتِ (قَوْلُهُ: أَيْ جَعَلْته لَك عُمْرَك) أَوْ وَهَبْته لَك عُمْرَك أَوْ مَا عِشْت بِفَتْحِ التَّاءِ لَا إنْ قَالَ: عُمْرَى أَوْ عُمْرَ فُلَانٍ أَوْ مَا عِشْت بِضَمِّ التَّاءِ أَوْ عَاشَ فُلَانٌ أَوْ سَنَةً ل وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر (قَوْلُهُ: وَلَغَا الشَّرْطُ) وَإِنْ ظَنَّ لُزُومَهُ أَوْ صِحَّتَهُ قَالُوا وَلَيْسَ لَنَا مَوْضِعٌ يَصِحُّ فِيهِ الْعَقْدُ مَعَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ الْمُنَافِي لِمُقْتَضَاهُ إلَّا هَذَا ح ل (قَوْلُهُ: الْعُمْرَى مِيرَاثٌ) الْمُرَادُ بِهَا الشَّيْءُ الْمُعَمَّرُ (قَوْلُهُ: أَيْ لَا تَعْمُرُوا وَلَا تَرْقُبُوا) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ أَعْمَرَ وَأَرْقَبَ مَبْنِيَّانِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَأَصْرَحُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا فِي م ر «أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْمَرَ عُمْرَى فَإِنَّهَا لِلَّذِي أُعْطِيَهَا لَا تَرْجِعُ إلَى الَّذِي أَعْطَاهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: يَرْقُبُ مَوْتَ الْآخَرِ) مِنْ بَابِ دَخَلَ مُخْتَارٌ اهـ ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: وَشُرِطَ فِي مِلْكِ مَوْهُوبٍ) أَيْ وَلَوْ مِنْ أَبٍ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ م ر أَيْ لَا بُدَّ مِنْ نَقْلِ الَّذِي وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان آخَرَ بِقَصْدِ الْقَبْضِ شَيْخُنَا وَمَحَلُّ هَذَا الشَّرْطِ فِي غَيْرِ الْهِبَةِ الضِّمْنِيَّةِ كَأَنْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي؛ لِأَنَّهُ كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ أَوْهِبْهُ لِي وَأَعْتِقْهُ عَنِّي (قَوْلُهُ: بِالْهِبَةِ الْمُطْلَقَةِ) أَيْ الشَّامِلَةِ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ قَالَ م ر: وَالْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ الْمَقْبُوضَةُ كَالصَّحِيحَةِ فِي عَدَمِ الضَّمَانِ لَا الْمِلْكِ (قَوْلُهُ: قَبْضٌ بِإِذْنٍ) فَلَوْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ ضَمِنَهُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَرَجَعَ عَنْ الْإِذْنِ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْإِذْنُ وَلَوْ قَبَضَهُ فَقَالَ الْوَاهِبُ رَجَعْت عَنْ الْإِذْنِ قَبِلَهُ وَقَالَهُ الْمُتَّهِبُ بَعْدَهُ صُدِّقَ الْمُتَّهِبُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الرُّجُوعِ قَبْلَهُ خِلَافًا لَهَا اسْتَظْهَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ تَصْدِيقِ الْوَاهِبِ وَلَوْ أَقْبَضَهُ وَقَالَ قَصَدْت الْإِيدَاعَ أَوْ الْعَارِيَّةَ وَأَنْكَرَ الْمُتَّهِبُ صُدِّقَ الْوَاهِبُ كَمَا فِي الِاسْتِقْصَاءِ م ر (قَوْلُهُ: أَوْ كَانَ الْمَوْهُوبُ بِيَدِ الْمُتَّهِبِ) غَايَةٌ فِي قَوْلِهِ بِإِذْنٍ فِيهِ مِنْ وَاهِبٍ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ شَرْحِ م ر وَيُشْتَرَطُ مُضِيُّ مُدَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا الْقَبْضُ بَعْدَ الْإِذْنِ كَنَظِيرِهِ (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ لَا يَكْفِي هُنَا الْإِتْلَافُ) أَيْ إذَا كَانَ الْإِتْلَافُ بِغَيْرِ الْأَكْلِ أَوْ الْعِتْقِ وَأَذِنَ فِيهِ الْوَاهِبُ فَيَكُونُ قَبْضًا وَيُقَدَّرُ انْتِقَالُهُ إلَيْهِ قُبَيْلَ الِازْدِرَادِ وَالْعِتْقِ اهـ ز ي. أَقُولُ: قِيَاسُ مَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الضِّيَافَةِ مِنْ أَنَّ الْمِلْكَ بِالْوَضْعِ فِي الْفَمِ أَنْ يُقَدَّرَ انْتِقَالُهُ هُنَا قُبَيْلَ الْوَضْعِ فِي الْفَمِ وَالتَّلَفُّظِ بِالصِّيغَةِ أَيْ فِي الْعِتْقِ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَلَا الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِلَا إذْنٍ) أَيْ إذْنٍ مِنْ الْوَاهِبِ لِلْمُتَّهِبِ فِي الْقَبْضِ، أَمَّا بِهِ فَيَكْفِي حَيْثُ كَانَ الْمَوْضُوعُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْقَبْضِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَلَا يَمْلِكُ بِالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا يَقْبِضُهُ وَإِنَّمَا يَمْلِكُ بِقَبْضِ وَلِيِّهِ ع ش (قَوْلُهُ: فَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الْوَاهِبِ وَالْمُتَّهِبِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الشَّامِلِ لِلْهَدِيَّةِ وَالصَّدَقَةِ فِيمَا يَظْهَرُ شَرْحُ م ر قَالَ ق ل أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ حُجِرَ عَلَيْهِ وَلَوْ بِفَلَسٍ بَيْنَ الْهِبَةِ وَالْقَبْضِ أَيْ بَيْنَ تَمَامِهِمَا اهـ (قَوْلُهُ: خَلَّفَهُ وَارِثُهُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>