للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَشَرْعًا مَا وُجِدَ مِنْ حَقٍّ مُحْتَرَمٍ غَيْرِ مُحْرَزٍ لَا يَعْرِفُ الْوَاجِدُ مُسْتَحِقَّهُ. وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ لُقَطَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْوَرِقِ فَقَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَا تُعْرَفْ فَاسْتَنْفِقْهَا وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَك فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا. وَسَأَلَهُ عَنْ ضَالَّةِ الْإِبِلِ فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا دَعْهَا فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَةَ حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا. وَسَأَلَهُ عَنْ الشَّاةِ فَقَالَ: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَك أَوْ لِأَخِيك أَوْ لِلذِّئْبِ» وَأَرْكَانُهَا لَقْطٌ وَمَلْقُوطٌ وَلَاقِطٌ وَهِيَ تُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي وَفِي اللَّقْطِ مَعْنَى الْأَمَانَةِ وَالْوَلَايَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُلْتَقِطَ أَمِينٌ فِيمَا لَقَطَهُ وَالشَّرْعُ وَلَّاهُ حِفْظَهُ كَالْوَلِيِّ فِي مَالِ الطِّفْلِ وَفِيهِ مَعْنَى الِاكْتِسَابِ مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ التَّمَلُّكَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ وَالْمُغَلَّبُ مِنْهُمَا الثَّانِي.

(سُنَّ لَقْطٌ لِوَاثِقٍ بِأَمَانَتِهِ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

إلَّا أَنْ يُقَالَ غَلَبَ غَيْرُ الْعَاقِلِ عَلَى الْعَاقِلِ (قَوْلُهُ: مُحْتَرَمٍ) كَمَالِ حَرْبِيٍّ دَخَلَ دَارَنَا لِلتِّجَارَةِ بِأَمَانٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَمَانٌ فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ غَنِيمَةٌ لَا لُقَطَةٌ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ غَيْرِ مُحْرَزٍ مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ أَوْ أَلْقَاهُ هَارِبٌ فِي حِجْرِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَالِكَهُ أَوْ وُجِدَ بَعْدَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ مِنْ الْوَدَائِعِ الْمَجْهُولَةِ وَلَمْ تُعْرَفْ مُلَّاكُهَا فَأَمْرُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْإِمَامُ نَعَمْ إنْ كَانَ جَائِزًا فَأَمْرُهُ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ فَإِنْ عُرِفَ الْمَالِكُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ بَعْدَ زَمَانٍ طَوِيلٍ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا رُجُوعَ لِآخِذِهِ عَلَى مَالِكِهِ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ وَلَوْ حَيَوَانًا وَلَوْ أَعْيَا جَمَلٌ أَوْ أَثْقَلَهُ الْحَمْلُ فَتَرَكَهُ مَالِكُهُ فِي الْبَرِّيَّةِ مَثَلًا فَقَامَ بِهِ غَيْرُهُ حَتَّى عَادَ لِحَالِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ مِمَّا أَنْفَقَهُ عَلَيْهِ إلَّا إنْ اسْتَأْذَنَ الْحَاكِمَ فِي الْإِنْفَاقِ أَوْ أَشْهَدَ عِنْدَ فَقْدِهِ أَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ وَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَاللَّيْثِ يَمْلِكُهُ مَنْ أَخَذَهُ وَعِنْدَ الْإِمَامِ مَالِكٍ لَا يَمْلِكُهُ وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَى مَالِكِهِ بِمَا صَرَفَهُ عَلَيْهِ اهـ ق ل وم ر.

(قَوْلُهُ: أَوْ الْوَرِقِ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَقَوْلُهُ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا أَيْ نَدْبًا وَالْعِفَاصُ ظَرْفُهَا وَقَوْلُهُ: ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً أَيْ وُجُوبًا (قَوْلُهُ: فَاسْتَنْفِقْهَا) أَيْ أَنْفِقْهَا بَعْدَ أَنْ تَتَمَلَّكَهَا ح ل وَقَوْلُهُ: وَلْتَكُنْ وَدِيعَةً عِنْدَك أَيْ إنْ لَمْ تَسْتَنْفِقْهَا وَلَمْ تَتَمَلَّكْهَا ز ي؛ لِأَنَّ كَوْنَهَا وَدِيعَةً مَعَ اسْتِنْفَاقِهَا مُشْكِلٌ وَقَالَ ع ش: أَيْ وَلْتَكُنْ كَالْوَدِيعَةِ عِنْدَك فِي وُجُوبِ رَدِّ بَدَلِهَا لِمَالِكِهَا اهـ لَكِنْ رُبَّمَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ: فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا إلَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَشَأْنَك بِهَا وَالتَّأْوِيلُ فِيهِ بَعِيدٌ فَتَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَشَأْنَك بِهَا) بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَيْ الْزَمْ شَأْنَك وَهُوَ تَمْلِيكُهَا كَمَا يَأْتِي ع ش (قَوْلُهُ: وَسَأَلَهُ) أَيْ زَيْدٌ الْمَذْكُورُ وَمُغَايَرَةُ الْأُسْلُوبِ تُشْعِرُ بِأَنَّ السَّائِلَ أَوَّلًا غَيْرُ زَيْدٍ لَكِنْ فِي رِوَايَةٍ فِي الْأُولَى سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ السَّائِلَ زَيْدٌ وَأَتَى بِهِ لِاسْتِيفَاءِ الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَلَا شَاهِدَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ أَمْرًا بِتَرْكِ الِالْتِقَاطِ بِقَوْلِهِ دَعْهَا وَمَحَلُّ الْأَمْرِ بِتَرْكِ الْتِقَاطِهَا أَنَّ الْتِقَاطَهَا لِلتَّمَلُّكِ مِنْ مَفَازَةٍ آمِنَةٍ كَمَا سَيَأْتِي وَلَعَلَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهِمَ مِنْ السَّائِلِ أَنَّ قَصْدَهُ الِالْتِقَاطُ لِلتَّمَلُّكِ وَقَوْلُهُ: دَعْهَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ مَا لَك وَلَهَا أَوْ تَأْكِيدٌ لَهُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ مُرَادٌ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ تَوْبِيخُ الْمُلْتَقِطِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَهَا

(قَوْلُهُ: مَا لَك وَلَهَا) مَا مُبْتَدَأٌ وَلَك مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ خَبَرٌ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ ثَبَتَ لَك وَلَهَا وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ. وَالْمَعْنَى لَا يَجُوزُ لَك أَخْذُهَا لِلتَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ بِنَفْسِهَا قَادِرَةٌ عَلَى عَيْشِهَا (قَوْلُهُ: حِذَاءَهَا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ أَيْ خُفَّهَا الَّذِي تَمْشِي عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ: وَسِقَاءَهَا أَيْ بَطْنَهَا وَقَوْلُهُ: تَرِدُ الْمَاءَ جُمْلَةٌ بَيَانِيَّةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ أَوْ مَحَلُّهَا الرَّفْعُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ تَرِدُ الْمَاءَ وَتَشْرَبُ مِنْ غَيْرِ سَاقٍ يَسْقِيهَا فَشَبَّهَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَنْ كَانَ مَعَهُ سِقَاءٌ فِي سَفَرِهِ وَالْمُرَادُ بِهَذَا النَّهْيُ عَنْ التَّعَرُّضِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ إنَّمَا هُوَ لِلْحِفْظِ عَلَى صَاحِبِهَا وَهَذِهِ لَا تَحْتَاجُ إلَى حِفْظٍ لِمَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهَا مِنْ الْقُوَّةِ وَالْمَنَعَةِ وَمَا يَسَّرَ لَهَا مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ اهـ. قَسْطَلَّانِيٌّ (قَوْلُهُ: لَك) أَيْ وَإِنْ أَخَذْتهَا وَتَمَلَّكْتهَا وَلَمْ يَظْهَرْ مَالِكُهَا وَقَوْلُهُ: أَوْ لِأَخِيك أَيْ مِنْ اللَّاقِطَيْنِ أَوْ الْمَالِكِ إنْ لَمْ تَأْخُذْهَا وَقَوْلُهُ: أَوْ لِلذِّئْبِ يَأْكُلُهَا إنْ لَمْ تَأْخُذْهَا أَنْتَ وَلَا غَيْرُك فَهُوَ إذْنٌ فِي أَخْذِهَا دُونَ الْإِبِلِ نَعَمْ إذَا كَانَتْ الْإِبِلُ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ فَتُلْتَقَطُ؛ لِأَنَّهَا تَكُونُ حِينَئِذٍ مُعَرَّضَةٌ لِلتَّلَفِ (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُلْتَقِطِ أَمِينٌ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْأَمَانَةَ وَالْوِلَايَةَ فِي الِابْتِدَاءِ وَقَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ إنَّ لَهُ التَّمَلُّكَ بَعْدَ التَّعْرِيفِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الِاكْتِسَابَ فِي الِانْتِهَاءِ ز ي (قَوْلُهُ: وَالْمُغَلَّبُ مِنْهُمَا الثَّانِي) مُعْتَمَدٌ وَيَنْبَنِي عَلَى تَغْلِيبِهِ جَوَازُ تَمَلُّكِهَا وَصِحَّةُ الِالْتِقَاطِ مِنْ الْفَاسِقِ وَتَالِيَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي.

(قَوْلُهُ: سُنَّ لَقْطٌ لِوَاثِقٍ بِأَمَانَتِهِ) يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَإِنْ خَافَ عَلَيْهَا الضَّيَاعَ كَمَا لَا يَجِبُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ وَاخْتَارَ السُّبْكِيُّ الْوُجُوبَ عَلَى الْوَاثِقِ عِنْدَ خَوْفِ الضَّيَاعِ كَمَا فِي التَّنْبِيهِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَثُبُوتُ النَّقْلِ الصَّرِيحِ بِخِلَافِهِ بَعِيدٌ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ بَلْ قَدْ يَجِبُ قَبُولُ الْوَدِيعَةِ الْمَقِيسِ عَلَيْهَا كَمَا سَيَأْتِي اهـ. إسْعَادٌ ز ي وَعِبَارَةُ سم نَقْلًا عَنْ م ر يَجِبُ الِالْتِقَاطُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهَا لَوْ لَمْ تُؤْخَذْ وَتَعَيَّنَ لِأَخْذِهَا كَالْوَدِيعَةِ وَقَوْلُهُمْ: لَا تَجِبُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ضَيَاعُهَا يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ هُنَا لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ أَوْ حِرْزِهِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ الْمَالِكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>