لِمَا فِيهِ مِنْ الْبِرِّ بَلْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ (وَ) سُنَّ (إشْهَادٌ بِهِ) مَعَ تَعْرِيفِ شَيْءٍ مِنْ اللُّقَطَةِ كَمَا فِي الْوَدِيعَةِ فَلَا يَجِبُ إذْ لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ فِي خَبَرِ زَيْدٍ وَلَا فِي خَبَرِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَحَمَلُوا الْأَمْرَ بِالْإِشْهَادِ فِي خَبَرِ أَبِي دَاوُد «مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ وَلَا يَكْتُمُ وَلَا يُغَيِّبْ» عَلَى النَّدْبِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ، وَقَدْ يُقَالُ الْأَمْرُ بِهِ فِي هَذَا الْخَبَرِ زِيَادَةُ ثِقَةٍ فَيُؤْخَذُ بِهِ وَخَرَجَ بِالْوَاثِقِ بِأَمَانَتِهِ غَيْرُهُ فَلَا يُسَنُّ لَهُ لَقْطٌ، وَالتَّصْرِيحُ بِسُنَّ الْإِشْهَادُ مِنْ زِيَادَتِي.
(وَكُرِهَ) اللَّقْطُ (لِفَاسِقٍ) لِئَلَّا تَدْعُوَهُ نَفْسُهُ إلَى الْخِيَانَةِ (فَيَصِحُّ) اللَّقْطُ (مِنْهُ كَمُرْتَدٍّ) أَيْ كَمَا يَصِحُّ مِنْ مُرْتَدٍّ (وَكَافِرٍ مَعْصُومٍ لَا بِدَارِ حَرْبٍ) لَا مُسْلِمَ بِهَا كَاحْتِطَابِهِمْ وَاصْطِيَادِهِمْ (وَتُنْزَعُ اللُّقَطَةُ) مِنْهُمْ وَتُسَلَّمُ (لِعَدْلٍ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ لِعَدَمِ أَمَانَتِهِمْ (وَيُضَمُّ لَهُمْ مُشْرِفٌ فِي التَّعْرِيفِ) فَإِنْ تَمَّ التَّعْرِيفُ تَمَلَّكُوا، وَذِكْرُ صِحَّةِ لَقْطِ الْمُرْتَدِّ مَعَ النَّزْعِ مِنْهُ وَمِنْ الْكَافِرِ وَمَعَ ضَمِّ مُشْرِفٍ لَهُمَا مِنْ زِيَادَتِي، وَتَعْبِيرِي بِالْكَافِرِ الْمَعْصُومِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالذِّمِّيِّ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَيْ عِنْدَ التَّسَلُّمِ فَلَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ إتْلَافُ حَقِّهِ مَجَّانًا بِخِلَافِهِ هُنَا كَمَا لَوْ مَاتَ رَقِيقُهُ وَخَافَ عَلَى أَمْتِعَتِهِ يَجِبُ نَقْلُهَا مَجَّانًا اهـ.
(قَوْلُهُ: وَسُنَّ إشْهَادٌ بِهِ) أَيْ بِالِالْتِقَاطِ أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ عَدْلًا وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ فِي الشَّاهِدِ بِالْمَسْتُورِ قِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ وَقَدْ يُقَالُ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِالْمَسْتُورِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا وَالنِّكَاحِ بِأَنَّ النِّكَاحَ يَشْتَهِرُ غَالِبًا بَيْنَ النَّاسِ فَاكْتَفَى فِيهِ بِالْمَسْتُورِ وَالْغَرَضُ مِنْ الْإِشْهَادِ هُنَا أَمْنُ الْخِيَانَةِ فِيهَا وَجَحْدُ الْوَارِثِ لَهَا فَلَمْ يَكْتَفِ بِالْمَسْتُورِ كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر قَالَ ح ل: وَمَحَلُّ سَنِّ الْإِشْهَادِ مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا مِنْ مُتَغَلَّبٍ إذَا عَلِمَ بِهَا آخِذُهَا وَإِلَّا امْتَنَعَ الْإِشْهَادُ وَالتَّعْرِيفُ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ (قَوْلُهُ: مَعَ تَعْرِيفِ شَيْءٍ) أَيْ لِلشُّهُودِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يُذْكَرُ عِنْدَ تَعْرِيفِهَا (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ) أَتَى بِهِ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ وَلِلرَّدِّ عَلَى الْقَائِلِ بِالْوُجُوبِ صَرِيحًا (قَوْلُهُ: وَلَا فِي خَبَرِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ فِي كَلَامِهِ، وَلَيْسَ أَيْضًا فِي كَلَامِ م ر وحج تَعَرُّضٌ لَهُ فَلْيُرَاجَعْ ع ش (قَوْلُهُ: وَلَا يَكْتُمُ. . . إلَخْ) أَيْ لَا يَكْتُمُهَا بِأَنْ لَا يُعَرِّفَهَا أَوْ لَا يُشْهِدَ عَلَيْهَا وَلَا يُغَيِّبُهَا عَنْ النَّاسِ، وَكِلَا هَذَيْنِ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ وَالثَّانِي تَأْكِيدٌ لِلْأَوَّلِ وَفَائِدَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ حِكْمَةَ الْإِشْهَادِ أَنَّ فِيهِ الْأَمْنَ مِنْ كَتْمِهَا؛ لِأَنَّ نَفْسَهُ رُبَّمَا سَوَّلَتْ لَهُ كَتْمَهَا فَإِذَا أَشْهَدَ أَمِنَ مِنْ نَفْسِهِ وَبِفَرْضِ أَنَّهُ لَا يَخُونُ فِيهَا رُبَّمَا أَتَاهُ الْمَوْتُ فَجْأَةً فَتَصِيرُ مِنْ جُمْلَةِ تَرِكَتِهِ فَتَفُوتُ عَلَى مَالِكِهَا حَيْثُ لَا حُجَّةَ مَعَهُ اهـ. شَرْحُ الْمِشْكَاةِ ع ش (قَوْلُهُ: وَقَدْ يُقَالُ) هَذَا مِنْ طَرَفِ الْقَائِلِ بِوُجُوبِ الْإِشْهَادِ عَلَى اللُّقَطَةِ حَيْثُ تَمَسَّكَ بِهَذَا الدَّلِيلِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ زِيَادَةٌ وَهِيَ الْأَمْرُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ بِهِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ فَيَتِمُّ دَلِيلُهُ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ وَيُرَدُّ بِأَنَّ قِيَاسَ اللُّقَطَةِ عَلَى الْوَدِيعَةِ أَوْجَبَ حَمْلَهُ عَلَى النَّدْبِ، وَأَيْضًا التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْعَدْلِ وَالْعَدْلَيْنِ يَقْتَضِي عَدَمَ الْوُجُوبِ وَإِلَّا لَمْ يَكْفِ الْعَدْلُ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ م ر فِي شَرْحِهِ (قَوْلُهُ: فِي هَذَا الْخَبَرِ) وَهُوَ مَنْ الْتَقَطَ. . . إلَخْ (قَوْلُهُ: زِيَادَةُ ثِقَةٍ) أَيْ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَقَوْلُهُ: فَيُؤْخَذُ بِهِ أَيْ فَيَكُونُ الْإِشْهَادُ وَاجِبًا عَمَلًا بِهَذَا الْحَدِيثِ كَمَا هُوَ قَوْلُهُ فِي الْمَذْهَبِ (قَوْلُهُ: فَلَا يُسَنُّ لَهُ لَقْطٌ) أَيْ بَلْ يُكْرَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ نَفْسِهِ الْخِيَانَةَ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.
(قَوْلُهُ: وَكُرِهَ لِفَاسِقٍ) وَلَوْ بِنَحْوِ تَرْكِ صَلَاةٍ وَإِنْ عُلِمَتْ أَمَانَتُهُ فِي الْأَمْوَالِ كَمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُهُمْ اهـ. حَجّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ تَابَ لَا يُكْرَهُ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِانْتِفَاءِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْخِيَانَةِ حَالَ الْأَخْذِ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: أَيْ كَمَا يَصِحُّ مِنْ مُرْتَدٍّ) هَذَا مُشْكِلٌ فِي الْمُرْتَدِّ بَلْ يَنْبَغِي تَوَقُّفُ تَمَلُّكِهِ عَلَى عَوْدِهِ لِلْإِسْلَامِ فَلْيُرَاجَعْ سم عَلَى حَجّ. وَقَدْ يُقَالُ الْكَلَامُ فِي صِحَّةِ الْتِقَاطِهِ، وَأَمَّا تَوَقُّفُ تَمَلُّكِهِ عَلَى عَوْدِهِ لِلْإِسْلَامِ فَشَيْءٌ آخَرُ ع ش (قَوْلُهُ: لَا بِدَارِ حَرْبٍ) رَاجِعٌ لِمَا تَعَلَّقَ بِالسُّنَّةِ وَبِالْكَرَاهَةِ فَهُوَ رَاجِعٌ لِأَصْلِ اللُّقَطَةِ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ وَالتَّقْدِيرُ وَيَصِحُّ الِالْتِقَاطُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَا بِدَارِ الْحَرْبِ تَأَمَّلْ وَلَيْسَ رَاجِعًا لِمَا قَبْلَهُ فَقَطْ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ اهـ. أَيْ فَإِنْ كَانَ بِدَارِ الْحَرْبِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهُ غَنِيمَةٌ خُمُسُهَا لِأَهْلِهِ وَالْبَاقِي لِلْمُلْتَقِطِ اهـ ح ل أَيْ إنْ دَخَلَهَا اللَّاقِطُ بِغَيْرِ أَمَانٍ وَإِلَّا فَلُقَطَةٌ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَالَ الرَّشِيدِيُّ عَلَيْهِ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ فِيمَا إذَا كَانَ الْآخِذُ مُسْلِمًا وَانْظُرْ حُكْمَ الذِّمِّيِّ وَنَحْوِهِ وَرَاجِعْ بَابَ قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ اهـ. وَقَدْ رَاجَعْنَا الْبَابَ الْمَذْكُورَ فَوَجَدْنَا أَنَّ مَا أَخَذَهُ الذِّمِّيُّ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ بِقِتَالٍ أَوْ بِدُونِهِ كَاخْتِلَاسٍ وَالْتِقَاطٍ كُلُّهُ لِلْآخِذِ وَلَا يُخَمَّسُ (قَوْلُهُ: لَا مُسْلِمَ بِهَا) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر نَعَمْ مَا وُجِدَ بِدَارِ الْحَرْبِ لَيْسَ بِهَا مُسْلِمٌ وَقَدْ دَخَلَهَا بِغَيْرِ أَمَانٍ غَنِيمَةٌ أَوْ بِهِ فَلُقَطَةٌ اهـ. أَيْ فَيُقَيَّدُ كَلَامُ الشَّارِحِ بِمَا إذَا دَخَلَهَا بِغَيْرِ أَمَانٍ اهـ. ع ش تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: كَاحْتِطَابِهِمْ. . . إلَخْ) الْأَنْسَبُ تَقْدِيمِهِ عَلَى قَوْلِهِ لَا بِدَارٍ لِرُجُوعِهِ لِمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ: وَتُنْزَعُ اللُّقَطَةُ مِنْهُمْ) وَالْمُتَوَلِّي لِلنَّزْعِ وَالْوَضْعِ عِنْدَ عَدْلٍ الْحَاكِمُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَمَحَلُّ نَزْعِهَا مِنْ الْكَافِرِ مَا لَمْ يَكُنْ عَدْلًا فِي دِينِهِ وَإِلَّا لَمْ تُنْزَعْ مِنْهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَيُضَمُّ لَهُمْ مُشْرِفٌ) أَيْ فَلَا يُعْتَدُّ بِتَعْرِيفِهِمْ بِدُونِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute