وَقَدْ أَوْصَى ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَكَتَبَ " وَصِيَّتِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى الزُّبَيْرِ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (أَرْكَانُهُ) أَرْبَعَةٌ (مُوصٍ وَوَصِيٌّ وَمُوصًى فِيهِ وَصِيغَةٌ وَشَرْطٌ فِي الْمُوصَى بِقَضَاءِ حَقٍّ) كَدَيْنٍ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّةٍ وَرَدِّ وَدِيعَةٍ وَعَارِيَّةٍ وَمَظْلِمَةٍ (مَا مَرَّ) فِي الْمُوصَى بِمَالٍ أَوَّلَ الْبَابِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ فِي قَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُكَلَّفٍ
(وَ) شَرْطٌ فِي الْمُوصِي (بِأَمْرِ نَحْوِ طِفْلٍ) كَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورِ سَفَهٍ (مَعَهُ) أَيْ مَعَ مَا مَرَّ (وِلَايَةٌ لَهُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً) مِنْ الشَّرْعِ لَا بِتَفْوِيضٍ فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ مِمَّنْ فَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ وَمَنْ بِهِ رِقٌّ وَأُمٍّ وَعَمٍّ وَوَصِيٍّ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ وَنَحْوُ مَعَ ابْتِدَاءٍ مِنْ زِيَادَتِي (وَ) شَرْطٌ (فِي الْوَصِيِّ عِنْدَ الْمَوْتِ عَدَالَةٌ) وَلَوْ ظَاهِرَةً (وَكِفَايَةٌ) فِي التَّصَرُّفِ الْمُوصَى بِهِ (وَحُرِّيَّةٌ وَإِسْلَامٌ فِي مُسْلِمٍ وَعَدَمُ عَدَاوَةٍ) مِنْهُ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ (وَ) عَدَمُ (جَهَالَةٍ) فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ إلَى مَنْ فَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَفَاسِقٍ وَمَجْهُولٍ وَمَنْ بِهِ رِقٌّ، أَوْ عَدَاوَةٌ وَكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَمَنْ لَا يَكْفِي فِي التَّصَرُّفِ لِسَفَهٍ، أَوْ هَرَمٍ، أَوْ غَيْرِهِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فِي بَعْضِهِمْ وَلِلتُّهْمَةِ فِي الْبَاقِي وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ إلَى كَافِرٍ مَعْصُومٍ عَدْلٍ فِي دِينِهِ عَلَى كَافِرٍ وَقَوْلِي عِنْدَ الْمَوْتِ مَعَ ذِكْرِ عَدَمِ الْعَدَاوَةِ وَالْجَهَالَةِ مِنْ زِيَادَتِي وَاعْتُبِرَتْ الشُّرُوطُ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا عِنْدَ الْإِيصَاءِ وَلَا بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ وَقَّتَ التَّسَلُّطَ عَلَى الْقَبُولِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى إلَى مَنْ خَلَا عَنْ الشُّرُوطِ، أَوْ بَعْضِهَا كَصَبِيٍّ وَرَقِيقٍ، ثُمَّ اسْتَكْمَلَهَا عِنْدَ الْمَوْتِ صَحَّ (وَلَا يَضُرُّ عَمًى)
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْآتِي وَلَوْ أَوْصَى اثْنَيْنِ إلَخْ وَقَالَ تَعَالَى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: ١١] (قَوْلُهُ: وَقَدْ أَوْصَى ابْنُ مَسْعُودٍ) وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَصَارَ إجْمَاعًا سُكُوتِيًّا (قَوْلُهُ: وَصِيَّتِي إلَى اللَّهِ) أَيْ أُفَوِّضُهَا إلَى اللَّهِ ع ش وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّبَرُّكِ (قَوْلُهُ: وَمَظْلِمَةٍ) كَغَصْبٍ (قَوْلُهُ: مَا مَرَّ) ، أَيْ مِنْ كَوْنِهِ مُكَلَّفًا حُرًّا مُخْتَارًا وَقَوْلُهُ: وَهَذَا أَوْلَى إلَخْ لِإِيهَامِ عِبَارَةِ الْأَصْلِ صِحَّةَ إيصَاءِ الْمُكْرَهِ ع ش
(قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ الْإِيصَاءُ مِمَّنْ فَقَدَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) وَكَذَا الْأَبُ وَالْجَدُّ إذَا نَصَّبَهُمَا الْحَاكِمُ فِي مَالِ مَنْ طَرَأَ سَفَهُهُ؛ لِأَنَّ وَلِيَّهُ الْحَاكِمُ دُونَهُمَا خ ط (قَوْلُهُ: لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ) بِأَنْ أَوْصَى عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ أَنْ يُوصِيَ عَنْهُ وَبِهَذَا التَّصْوِيرِ انْدَفَعَ مَا يُقَالُ: مَفْهُومُ قَوْلِهِ: لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ صِحَّتُهَا مَعَ الْإِذْنِ بِأَنْ يُوصِيَ عَنْ نَفْسِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِ الْمَتْنِ ابْتِدَاءً ع ش وَعِبَارَةُ ح ل وَز ي فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ بِأَنْ قَالَ: لَهُ أَوْصِ عَنِّي كَانَ لَهُ أَنْ يُوصِيَ عَنْهُ لَا عَنْ نَفْسِهِ وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ بِأَنْ قَالَ: أَوْصِ بِتَرِكَتِي إلَى مَنْ شِئْت فَإِنْ حَذَفَ بِتَرِكَتِي بِأَنْ قَالَ: أَوْصِ لَمْ يَكُنْ إذْنًا (قَوْلُهُ: عِنْدَ الْمَوْتِ) وَكَذَا عِنْدَ الْقَبُولِ عَلَى الْأَوْجَهِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ الْآتِي؛ وَلِأَنَّ الْفِسْقَ وَالْعَجْزَ وَاخْتِلَالَ النَّظَرِ يَنْعَزِلُ بِهِ دَوَامًا فَابْتِدَاءً أَوْلَى بِرْمَاوِيٌّ
(قَوْلُهُ: عَدَالَةٌ) قَضِيَّةُ الِاكْتِفَاءِ بِالْعَدَالَةِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ سَلَامَةٌ مِنْ خَارِمِ الْمُرُوءَةِ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ فِي عِبَارَتِهِمْ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فَلْيُرَاجَعْ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَلَوْ ظَاهِرَةً) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعَدَالَةِ الْبَاطِنَةِ مُطْلَقًا ز ي، أَيْ سَوَاءٌ وَقَعَ فِي عَدَالَتِهِ نِزَاعٌ، أَوْ لَا وَالْعَدَالَةُ الْبَاطِنَةُ هِيَ الَّتِي تَثْبُتُ عِنْدَ الْقَاضِي بِقَوْلِ الْمُزَكِّينَ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَحُرِّيَّةٌ) أَيْ كَامِلَةٌ وَلَوْ مَآلًا كَمُدَبَّرٍ وَمُسْتَوْلَدَةٍ م ر (قَوْلُهُ: وَإِسْلَامٌ فِي مُسْلِمٍ) قَالَ: حَجّ وَذَكَرَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الْعَدَالَةِ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا فِي دِينِهِ وَبِفَرْضِ عِلْمِهِ مِنْ الْعَدَالَةِ يَكُونُ تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهُ ع ن (قَوْلُهُ: وَعَدَمُ عَدَاوَةٍ) ، أَيْ دُنْيَوِيَّةٍ ظَاهِرَةٍ أَمَّا الدِّينِيَّةُ فَلَا تَضُرُّ كَالْيَهُودِيِّ لِلنَّصْرَانِيِّ وَعَكْسِهِ س ل قَالَ: م ر فَأَخَذَ الْإِسْنَوِيُّ مِنْهُ عَدَمَ صِحَّةِ وِصَايَةِ نَصْرَانِيٍّ لِيَهُودِيٍّ وَعَكْسِهِ مَرْدُودٌ اهـ وَيُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ بِكَوْنِ الْمُوصِي عَدُوًّا لِلْوَصِيِّ أَوْ لِلْعِلْمِ بِكَرَاهَتِهِ لَهُمَا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ شَرْحُ م ر فَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْوَصِيِّ عَدُوًّا لِلْمُوصِي أَنْ يَكُونَ عَدُوًّا لِابْنِهِ غَالِبًا فَانْدَفَعَ قَوْلُ حَجّ: كَوْنُ وَلَدِ الْعَدُوِّ عَدُوًّا مَمْنُوعٌ وَقَالَ أَيْضًا: اشْتِرَاطُ الْعَدَالَةِ يُغْنِي عَنْ اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الْعَدَالَةِ اهـ
قَالَ: سم قَدْ يُتَصَوَّرُ حُصُولُ الْعَدَاوَةِ فِي الْمَجْنُونِ قَبْلَ جُنُونِهِ فَتُسْتَصْحَبُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ وَالظَّاهِرَ بَقَاؤُهَا (قَوْلُهُ: كَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ) هُمَا خَارِجَانِ بِالْعَدَالَةِ إذْ الْعَدَالَةُ يَلْزَمُهَا الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ (قَوْلُهُ: وَمَجْهُولٍ) مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْحَالِ لَمْ تُعْرَفْ حُرِّيَّتُهُ وَلَا رِقُّهُ وَلَا عَدَالَتُهُ وَلَا فِسْقُهُ لَا أَنَّهُ يُوصِي لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ عِ ش وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ كَانَ صَحِيحًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِالْمَجْهُولِ مَا يَشْمَلُ مَجْهُولَ الْعَيْنِ وَالصِّفَةِ فَيَصْدُقُ بِمَا ذُكِرَ اهـ (قَوْلُهُ: فِي الْبَاقِي) كَالْعَدُوِّ (قَوْلُهُ: إلَى كَافِرٍ مَعْصُومٍ) وَلَوْ كَانَ الْمُوصِي مُسْلِمًا. بِأَنْ أَسْلَمَ شَخْصٌ وَلَهُ ابْنٌ بَالِغٌ عَاقِلٌ كَافِرٌ لَكِنَّهُ سَفِيهٌ فَإِنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ فَلِلْأَبِ حِينَئِذٍ أَنْ يُوَصِّيَ عَلَيْهِ كَافِرًا شَرْحُ الرَّوْضِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُوَصِّيَ عَلَيْهِ كَافِرًا كَمَا فِي شَرْحِ م ر فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامِهِ وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ مَعْصُومٌ امْتِنَاعُ إيصَاءِ الْحَرْبِيِّ إلَى حَرْبِيٍّ س ل (قَوْلُهُ: عَدْلٌ فِي دِينِهِ) ، أَيْ بِتَوَاتُرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَارِفِينَ بِدِينِهِ، أَوْ بِإِسْلَامِ عَارِفَيْنِ وَشَهَادَتِهِمَا بِذَلِكَ م ر ع ن (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ وَقَّتَ التَّسَلُّطَ عَلَى الْقَبُولِ) فَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِمْرَارِ ذَلِكَ مِنْ الْمَوْتِ إلَى الْقَبُولِ ح ل (قَوْلُهُ:، ثُمَّ اسْتَكْمَلَهَا عِنْدَ الْمَوْتِ) وَيَكْفِي فِي الْفَاسِقِ إذَا تَابَ كَوْنُهُ عَدْلًا عِنْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ لَمْ تَنْقَضِ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَلَا يَضُرُّ عَمًى) ، أَيْ وَلَا خَرَسٌ تُفْهَمُ إشَارَتُهُ بِخِلَافِ مَا لَا تُفْهَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute