للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ وَدَعَ الشَّيْءُ يَدَعُ إذَا سَكَنَ؛ لِأَنَّهَا سَاكِنَةٌ عِنْدَ الْوَدِيعِ وَقِيلَ مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ فِي دَعَةٍ أَيْ رَاحِلَةِ لِأَنَّهَا فِي رَاحِلَةِ الْوَدِيعِ وَمُرَاعَاتِهِ.

وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: ٥٨] وَخَبَرُ «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ؛ وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً بَلْ ضَرُورَةً إلَيْهَا (أَرْكَانُهَا) أَيْ الْوَدِيعَةِ بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ أَرْبَعَةٌ (وَدِيعَةٌ) بِمَعْنَى الْعَيْنِ الْمُودِعَةِ (وَصِيغَةٌ وَمُودِعٌ وَوَدِيعٌ وَشَرْطٌ فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمُودِعِ وَالْوَدِيعِ (مَا) مَرَّ (فِي مُوَكِّلٍ وَوَكِيلٍ) ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ اسْتِنَابَةٌ فِي الْحِفْظِ

(فَلَوْ أَوْدَعَهُ نَحْوُ صَبِيٍّ) كَمَجْنُونٍ وَمَحْجُورِ سَفَهٍ (ضَمِنَ) مَا أَخَذَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنٍ مُعْتَبَرٍ وَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ إلَّا بِالرَّدِّ إلَى وَلِيِّ أَمْرِهِ نَعَمْ إنْ أَخَذَهُ مِنْهُ حِسْبَةً خَوْفًا عَلَى تَلَفِهِ فِي يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ مُودَعُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ (وَفِي عَكْسِهِ) بِأَنْ أَوْدَعَ شَخْصٌ نَحْوَ صَبِيٍّ (إنَّمَا يَضْمَنُ بِإِتْلَافٍ) مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى إتْلَافِهِ فَلَا يَضْمَنُهُ بِتَلَفِهِ عِنْدَهُ إذْ لَا يَلْزَمُهُ الْحِفْظُ وَظَاهِرٌ أَنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفِ إنَّمَا يَكُونُ فِي مُتَمَوَّلٍ

(وَ) شَرْطٌ (فِي الْوَدِيعَةِ كَوْنُهَا مُحْتَرَمَةً) وَلَوْ نَجِسًا كَكَلْبٍ يَنْفَعُ وَنَحْوِ حَبَّةِ بُرٍّ بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُحْتَرَمَةِ كَكَلْبٍ لَا يَنْفَعُ وَآلَةِ لَهْوٍ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي

(، وَ) شَرْطٌ (فِي الصِّيغَةِ مَا) مَرَّ (فِي وَكَالَةٍ) فَيُشْتَرَطُ اللَّفْظُ مِنْ جَانِبِ الْمُودِعِ وَعَدَمُ الرَّدِّ مِنْ جَانِبِ الْوَدِيعِ فَيَكْفِي قَبْضُهُ وَلَا يَكْفِي الْوَضْعُ بَيْنَ يَدَيْهِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقَالَ ز ي وَشَرْعًا تَوْكِيلٌ مِنْ الْمَالِكِ، أَوْ نَائِبِهِ لِآخَرَ بِحِفْظِ مَالٍ، أَوْ اخْتِصَاصٌ فَخَرَجَ بِتَوْكِيلٍ اللُّقَطَةُ وَالْأَمَانَاتُ الشَّرْعِيَّةُ؛ لِأَنَّ الِائْتِمَانَ فِيهِمَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى كَوْنِهِ تَوْكِيلًا أَنَّ الْإِيدَاعَ عَقْدٌ اهـ وَقِيلَ هُوَ إذْنٌ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْوَدِيعَ لَوْ عَزَلَ نَفْسَهُ انْعَزَلَ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَأَنَّ وَلَدَ الْوَدِيعَةِ الْحَادِثَ وَدِيعَةٌ عَلَى الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي كَمَا قَالَهُ ع ن (قَوْلُهُ: مِنْ وَدَعَ الشَّيْءُ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا (قَوْلُهُ: وَمُرَاعَاتِهَا) تَفْسِيرُ ح ل قَوْلُهُ {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ} [النساء: ٥٨] الْآيَةَ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي رَدِّ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ فَهِيَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَمَانَاتِ بِقَرِينَةِ الْجَمْعِ. قَالَ: الْوَاحِدِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ وَلَمْ يَنْزِلْ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ آيَةٌ سِوَاهَا شَرْحُ م ر وَعِبَارَةُ الْجَلَالَيْنِ نَزَلَتْ لَمَّا أَخَذَ عَلِيٌّ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ سَادِنِهَا، أَيْ خَادِمِهَا قَهْرًا لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَمَنَعَهُ مِنْ إعْطَاءِ الْمِفْتَاحِ وَقَالَ: لَوْ عَلِمَتْ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أَمْنَعْهُ فَأَرَادَ عَلِيٌّ أَنْ يُعْطِيَ الْمِفْتَاحَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَدِّهِ إلَى عُثْمَانَ وَقَالَ خُذْهَا، أَيْ السَّدَانَةَ خَالِدَةً فَعَجِبَ مِنْ ذَلِكَ فَقَرَأَ لَهُ عَلِيٌّ الْآيَةَ فَأَسْلَمَ وَأَعْطَاهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لِأَخِيهِ شَيْبَةَ فَبَقِيَ فِي أَوْلَادِهِ اهـ وَفِيهِ أَنَّ الْمِفْتَاحَ لَيْسَ أَمَانَةً؛ لِأَنَّهُ أُخِذَ قَهْرًا.

وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ كَانَ كَالْأَمَانَةِ. قَوْلُهُ: «وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» سَمَّاهَا خِيَانَةً مُشَاكَلَةً وَفِيهِ أَنَّهُ مُعَارِضٌ لِآيَةِ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ} [البقرة: ١٩٤] إلَّا أَنْ يُقَالَ: لَا تَخُنْ مَنْ خَانَك زِيَادَةٌ عَلَى مَا خَانَك بِهِ، أَوْ لَا تَخُنْهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ كَأَنْ زَنَى بِزَوْجَتِك وَعَلَيْهِمَا فَلَا مُشَاكَلَةَ وَأَنَّ الْحَدِيثَ يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَوْلَى الْعَفْوُ، أَيْ لَا تَخُنْ مَنْ خَانَك بَلْ عَفْوُك عَنْهُ أَوْلَى. وَالْآيَةُ مُبَيِّنَةٌ لِلْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى الْعَفْوَ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ تَسْمِيَةُ الثَّانِي اعْتِدَاءً وَبَعْضُهُمْ خَصَّ الْحَدِيثَ بِالْأَمَانَةِ، أَيْ مَنْ خَانَك فِي أَمَانَتِك لَا تَخُنْهُ فِي أَمَانَتِهِ الَّتِي اسْتَأْمَنَك عَلَيْهَا (قَوْلُهُ: غَرِيبٌ) أَيْ انْفَرَدَ بِهِ رَاوِيهِ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْحَسَنَ ع ش (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى الْإِيدَاعِ) ، أَيْ الْعَقْدِ لَا بِمَعْنَى الْعَيْنِ الْمُودِعَةِ وَإِلَّا لَزِمَ كَوْنُ الشَّيْءِ رُكْنًا لِنَفْسِهِ وَأَنَّ الصِّيغَةَ وَمَا بَعْدَهَا أَرْكَانٌ لِلْعَيْنِ الْمُودِعَةِ وَلَا مَعْنَى لَهُ

وَإِذَا حُمِلَتْ الْوَدِيعَةُ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْعَيْنِ الْمُودِعَةِ كَانَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِخْدَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِيدَاعَ اسْتِنَابَةٌ فِي الْحِفْظِ) فَمَنْ صَحَّ تَوْكِيلُهُ صَحَّ إيدَاعُهُ وَمَنْ صَحَّ تَوَكُّلُهُ صَحَّ دَفْعُ الْوَدِيعَةِ لَهُ فَخَرَجَ اسْتِيدَاعُ مُحْرِمٍ صَيْدًا وَكَافِرٍ مُصْحَفًا كَذَا قَالُوا هُنَا وَفِي مَتْنِ الْبَهْجَةِ صِحَّةُ إيدَاعِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَسَلُّطٌ فَيُحْمَلُ مَا هُنَا عَلَى وَضْعِ الْيَدِ وَمَا هُنَاكَ عَلَى الْعَقْدِ وَيُجْعَلُ عِنْدَ مُسْلِمٍ ز ي

(قَوْلُهُ: فَلَوْ أَوْدَعَهُ) ، أَيْ شَخْصًا وَلَوْ غَيْرَ كَامِلٍ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: ضَمِنَ مَا أَخَذَهُ) أَيْ بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الصَّبِيَّ يَضْمَنُ بِأَقْصَى الْقِيَمِ أَيْضًا. لِأَنَّ تَعْرِيفَ الْغَصْبِ شَامِلٌ لِأَخْذِهِ مِنْ مِثْلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ اسْتِيلَاءٌ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ م ر (قَوْلُهُ: بِغَيْرِ إذْنٍ مُعْتَبَرٍ) فَانْدَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ: فَاسِدُ الْوَدِيعَةِ كَصَحِيحِهَا فِي عَدَمِ الضَّمَانِ م ر. لَا يُقَالُ: هَذِهِ بَاطِلَةٌ لَا فَاسِدَةٌ. لِأَنَّا نَقُولُ الْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ مُتَرَادِفَانِ عِنْدَنَا إلَّا فِي مَوَاضِعَ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا

(قَوْلُهُ: حِسْبَةً) ، أَيْ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ ادِّخَارٍ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ. قَالَ: فِي الْمُخْتَارِ احْتَسِبْ الْأَجْرَ عَلَى اللَّهِ أَيْ ادَّخِرْهُ عِنْدَهُ لَا يَرْجُو ثَوَابَ الدُّنْيَا وَالِاسْمُ مِنْهُ الْحِسْبَةُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَضْمَنْهُ) مَا لَمْ يُسَلِّطْهُ عَلَى إتْلَافِهِ م ر، فَإِنْ سَلَّطَهُ الْوَدِيعُ عَلَى إتْلَافِهِ ضَمِنَ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لِأَنَّ فِعْلَهُ حِينَئِذٍ كَفِعْلِ مُسَلِّطِهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: بِأَنْ أَوْدَعَ شَخْصٌ) ، أَيْ كَامِلٌ أَمَّا لَوْ أَوْدَعَ نَحْو صَبِيٍّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فَرَّطَ أَمْ لَا تَلِفَ، أَوْ أَتْلَفَ ق ل وَبِرْمَاوِيٌّ وَمِثْلُهُمَا فِي شَرْحِ م ر. لِأَنَّهُ قَالَ: وَلَوْ أَوْدَعَ نَحْوُ صَبِيٍّ مِثْلَهُ ضَمِنَ بِالِاسْتِيلَاءِ وَقَدْ يُقَالُ: هَذِهِ الصُّورَةُ دَاخِلَةٌ فِي قَوْلِ الْمَتْنِ فَلَوْ أَوْدَعَهُ نَحْوُ صَبِيٍّ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَشْمَلُ غَيْرَ الْكَامِلِ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمُودِعِ وَالْوَدِيعِ إمَّا كَامِلٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَجْنُونٌ، أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ مُكْرَهٌ، أَوْ عَبْدٌ وَالْحَاصِلُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>