إذْ لَا يَلِيقُ بِمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ دُخُولُهَا فِيهِ؛ لِمَا قُصِدَ مِنْهَا مِنْ الْحَيَاءِ وَعَدَمِ ذِكْرِهِ أَصْلًا وَتَقَدَّمَ خَبَرُ «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» ، وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ خَبَرَ «لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا» وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى، لَكِنْ لَوْ زَوَّجَ أُخْتَهُ مَثَلًا فَبَانَ رَجُلًا صَحَّ ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُسْلِمِ، وَخَرَجَ بِلَا تَعْقِدُ مَا لَوْ وَكَّلَهَا رَجُلٌ فِي أَنَّهَا تُوَكِّلُ آخَرَ فِي تَزْوِيجِ مُوَلِّيَتِهِ، أَوْ قَالَ وَلِيُّهَا: وَكِّلِي عَنِّي مَنْ يُزَوِّجُكِ، أَوْ أَطْلَقَ فَوَكَّلَتْ، وَعَقَدَ الْوَكِيلِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ.
(وَيُقْبَلُ إقْرَارُ مُكَلَّفَةٍ بِنِكَاحٍ لِمُصَدِّقِهَا) ، وَإِنْ كَذَّبَهَا وَلِيُّهَا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ حَقُّ الزَّوْجَيْنِ فَيَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَفْصِيلِهَا الْإِقْرَارَ فَتَقُولُ: زَوَّجَنِي مِنْهُ وَلِيِّي بِحُضُورِ عَدْلَيْنِ وَرِضَايَ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا وَهَذَا فِي إقْرَارِهَا الْمُبْتَدَأِ فَلَا يُنَافِي مَا سَيَأْتِي فِي الدَّعَاوَى مِنْ أَنَّهُ يَكْفِي إقْرَارُهَا الْمُطْلَقُ فَإِنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ فِي إقْرَارِهَا الْوَاقِعِ فِي جَوَابِ الدَّعَاوَى. وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا اُشْتُرِطَ مَعَ ذَلِكَ تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ، وَلَوْ أَقَرَّتْ لِرَجُلٍ وَوَلِيُّهَا لِآخَرَ عُمِلَ بِالْأَسْبَقِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْوَطْءِ، وَلَوْ فِي الدُّبُرِ إنْ كَانَ رَشِيدًا وَيَجِبُ أَيْضًا أَرْشُ بَكَارَةٍ إنْ كَانَتْ بِكْرًا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ، سَوَاءٌ قَلَّدَ أَمْ لَا؛ لِشُبْهَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ، وَلَكِنَّهُ يُعَزَّرُ إنْ اعْتَقَدَ التَّحْرِيمَ. وَمَحَلُّ هَذَا كُلِّهِ مَا لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِصِحَّتِهِ وَإِلَّا وَجَبَ الْمُسَمَّى وَلَا تَعْزِيرَ، وَمَحَلُّهُ أَيْضًا مَا لَمْ يَحْكُمْ حَاكِمٌ بِبُطْلَانِهِ وَإِلَّا وَجَبَ الْحَدُّ مِنْ شَرْحِ م ر وَحَوَاشِيهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: إذْ لَا يَلِيقُ) قَدَّمَ الدَّلِيلَ الْعَقْلِيَّ؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ بِخِلَافِ النَّقْلِيِّ فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالْإِيجَابِ، وَقَوْلُهُ: وَعَدَمِ ذِكْرِهِ عَطْفُ مُسَبِّبٍ عَلَى سَبَبٍ قَالَ ح ل أَيْ: عَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْعَقْدِ فَلَا يُنَافِي مَا يَأْتِي فِي التَّوْكِيلِ فِي النِّكَاحِ مِنْهَا وَلَهَا. (قَوْلُهُ وَتَقَدَّمَ خَبَرُ) أَيْ: فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى كَوْنِ الْمَرْأَةِ لَا تَعْقِدُ نِكَاحًا ع ش وَأَصْرَحُ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: ٢٣٢] بِنَاءً عَلَى كَوْنِ الضَّمِيرِ فِي تَعْضُلُوهُنَّ لِلْأَوْلِيَاءِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ مَعْقِلَ بْنَ يَسَارٍ كَانَ لَهُ أُخْتٌ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَأَرَادَتْ أَنْ تَعُودَ لَهُ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ فَامْتَنَعَ أَخُوهَا مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَتَوَلَّى بِنَفْسِهَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّهْيِ عَنْ الْعَضْلِ فَائِدَةٌ، كَذَا قِيلَ، لَكِنْ يُعَكِّرُ عَلَى كَوْنِهِ أَصْرَحَ الْأَدِلَّةِ قَوْلُهُ: {أَنْ يَنْكِحْنَ} [البقرة: ٢٣٢] بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ. (قَوْلُهُ: وَلَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ) وَفِي تَزْوِيجِهَا نَفْسَهَا خُلُوٌّ عَنْهُ فَهُوَ دَالٌّ بِمَفْهُومِهِ. (قَوْلُهُ: وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ) أَتَى بِهِ مَعَ مَا قَبْلَهُ لِدَفْعِ مَا يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الْوَلِيَّ فِي قَوْلِهِ: «لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» فَعِيلٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَلِعُمُومِهِ؛ لِأَنَّهُ نَفَى تَزْوِيجَهَا نَفْسَهَا وَلِغَيْرِهَا؛ وَلِأَنَّهُ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ؛ وَلِأَنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ ح ل: خَبَرُ ابْنِ مَاجَهْ يُغْنِي عَمَّا قَبْلَهُ اهـ. شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ فَوَكَّلَتْ) لَا عَنْ نَفْسِهَا وَهَلْ الْمُرَادُ فَقَطْ، أَوْ، وَلَوْ مَعَهُ حَرِّرْ اهـ. ح ل وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْبُطْلَانُ فِي الْأَخِيرَةِ شَوْبَرِيٌّ.
وَهِيَ قَوْلُهُ، وَلَوْ مَعَهُ (قَوْلُهُ: وَيُقْبَلُ إقْرَارُ مُكَلَّفَةٍ) وَكَذَا عَكْسُهُ أَيْ: إقْرَارُ مُكَلَّفٍ بِهِ لِمُصَدِّقَتِهِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ ز ي وَقَوْلُهُ: مُكَلَّفَةٍ أَيْ: حُرَّةٍ، وَلَوْ سَفِيهَةً وَإِنْ كَذَّبَهَا شُهُودٌ عَيَّنَتْهُمْ؛ لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِهِمْ م ر وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الْوَلِيُّ الْإِذْنَ بِدُونِ الْكُفْءِ لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِهِ ح ل. (قَوْلُهُ لِمُصَدِّقِهَا) وَلَوْ غَيْرَ كُفْءٍ، وَقَوْلُهُ وَإِنْ كَذَّبَهَا وَلِيُّهَا أَيْ: مَا لَمْ تُقِرَّ بِهِ لِرَجُلٍ وَهُوَ لِآخَرَ وَإِلَّا عُمِلَ بِالْأَسْبَقِ كَمَا يَأْتِي. (قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا) فَلَمْ يُؤَثِّرْ إنْكَارُ الْغَيْرِ لَهُ وَإِذَا كَذَّبَهَا الزَّوْجُ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ حَالًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَطْلِيقِ الزَّوْجِ لَهَا فَإِذَا كَذَّبَ الزَّوْجُ نَفْسَهُ فِي التَّكْذِيبِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ، وَظَاهِرُهُ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ كَانَ نَاسِيًا عِنْدَ التَّكْذِيبِ فَلَوْ كَذَّبَتْهُ، وَقَدْ أَقَرَّ بِنِكَاحِهَا، ثُمَّ رَجَعَتْ عَنْ تَكْذِيبِهَا قَبْلَ تَكْذِيبِهَا نَفْسَهَا؛ لِأَنَّهَا أَقَرَّتْ بِحَقٍّ لَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ إنْكَارِهِ وَلَا كَذَلِكَ هُوَ فِي الْأُولَى وَعِبَارَةُ غَيْرِهِ قَبْلَ رُجُوعِهَا اهـ. ح ل. (قَوْلُهُ: مِنْ أَنَّهُ يَكْفِي إقْرَارُهَا الْمُطْلَقُ) ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ تَفْصِيلِهَا بِالتَّفْصِيلِ الْوَاقِعِ فِي الدَّعْوَى وَيَأْتِي مَا ذُكِرَ فِي إقْرَارِ الرَّجُلِ الْمُبْتَدَأِ وَالْوَاقِعِ فِي جَوَابِ الدَّعْوَى فَلَا بُدَّ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْأَوَّلِ، وَيَكْفِي الْإِطْلَاقُ فِي الثَّانِي خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَغَيْرِهِ وَز ي وَح ل. (قَوْلُهُ: تَصْدِيقُ سَيِّدِهِ) هَلْ الْمُرَادُ تَصْدِيقُهُ فِي النِّكَاحِ، أَوْ فِي الْإِذْنِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ بِهِ إنْشَاءَهُ يُرَاجَعُ وَكَذَا يُقَالُ فِي وَلِيِّ السَّفِيهُ اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر وَقَدْ يُدَّعَى إرَادَةُ الْأَوَّلِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّقِيقَةِ لِتَوَقُّفِ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ لَهُ، وَإِرَادَةَ الثَّانِي فِي الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْإِذْنِ ارْتَفَعَ عَنْهُ الْمَانِعُ وَصَارَ يَصِحُّ مِنْهُ الْعَقْدُ بِاسْتِقْلَالِهِ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي السَّفِيهُ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقَرَّتْ لِرَجُلٍ وَوَلِيُّهَا) أَيْ: الْمُجْبِرُ وَالْمُنَاسِبُ تَأْخِيرُهُ عَنْ قَوْلِهِ: وَيُقْبَلُ إقْرَارُ مُجْبِرٍ بِهِ. (قَوْلُهُ عُمِلَ بِالْأَسْبَقِ) أَيْ: فِي الْإِتْيَانِ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ وَإِنْ أَسْنَدَ الْآخَرُ التَّزْوِيجَ إلَى تَارِيخٍ مُتَقَدِّمٍ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِسَبْقِهِ وَإِقْرَارِهِ يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ؛ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ الْآنَ، فَإِذَا حَضَرَ الثَّانِي وَادَّعَى خِلَافَهُ كَانَ مَرِيدًا لِرَفْعِ الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ وَمَا حُكِمَ بِثُبُوتِهِ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ع ش عَلَى م ر لَكِنْ تَعْبِيرُ الشَّارِحِ بِقَوْلِهِ: فَإِنْ أَقَرَّا مَعًا دُونَ أَنْ يَقُولَ: ذَهَبَا وَأَثْبَتَا مَعًا رُبَّمَا يُفِيدُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute