للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُزَوِّجُ الْأَبْعَدُ، وَقِيلَ: لَا يَمْنَعُهَا وَعَلَيْهِ جَمَاعَاتٌ لِأَنَّ الْفَسَقَةَ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ التَّزْوِيجِ فِي عَصْرِ الْأَوَّلِينَ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي غَيْرِ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ هُوَ فَلَا يَمْنَعُ فِسْقُهُ وِلَايَتَهُ، بِنَاءً عَلَى الصَّحِيحِ، مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ بِالْفِسْقِ فَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ وَبَنَاتَ غَيْرِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ تَفْخِيمًا لِشَأْنِهِ

(وَحَجْرُ سَفَهٍ) بِأَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ، أَوْ بَذَّرَ بَعْدَ رُشْدِهِ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لِنَقْصِهِ لَا يَلِي أَمْرَ نَفْسِهِ، فَلَا يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْحَجْرُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي مُجَلِّيٌّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ أَمَّا حَجْرُ الْفَلَسِ فَلَا يَمْنَعُ الْوِلَايَةَ لِكَمَالِ نَظَرِهِ، وَالْحَجْرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ لَا لِنَقْصٍ فِيهِ

(وَاخْتِلَالُ نَظَرٍ) بِهَرَمٍ أَوْ غَيْرِهِ كَخَبَلٍ وَكَثْرَةِ أَسْقَامٍ لِعَجْزِهِ عَنْ الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ الْأَزْوَاجِ وَمَعْرِفَةِ الْكُفْءِ مِنْهُمْ، وَاقْتِصَارِي عَلَى مَا ذُكِرَ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِهِ بِهَرَمٍ أَوْ خَبَلٍ. (وَاخْتِلَافُ دِينٍ) لِانْتِفَاءِ الْمُوَالَاةِ فَلَا يَلِي كَافِرٌ مُسْلِمَةً وَلَوْ كَانَتْ عَتِيقَةَ كَافِرٍ كَمَا مَرَّ، وَلَا مُسْلِمٌ كَافِرَةً، نَعَمْ لِوَلِيِّ السَّيِّدِ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ الْكَافِرَةِ كَالسَّيِّدِ الْآتِي بَيَانُ حُكْمِهِ، وَلِلْقَاضِي تَزْوِيجُ الْكَافِرَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْوَلِيِّ الْخَاصِّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ، وَيَلِي كَافِرٌ لَمْ يَرْتَكِبْ مَحْظُورًا فِي دِينِهِ كَافِرَةً وَلَوْ كَانَتْ عَتِيقَةَ مُسْلِمَةٍ، كَمَا مَرَّ أَوْ اخْتَلَفَ اعْتِقَادُهُمَا فَيَلِي الْيَهُودِيُّ النَّصْرَانِيَّةَ وَالنَّصْرَانِيُّ الْيَهُودِيَّةَ كَالْإِرْثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال: ٧٣] (وَيَنْقُلُهَا) أَيْ الْوِلَايَةَ (كُلٌّ) مِنْ الْمَذْكُورَاتِ (لِأَبْعَدَ)

ــ

[حاشية البجيرمي]

التَّعْلِيلِ، وَلِأَنَّ انْتِفَاءَ الْعَدَالَةِ يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ وَلَا يَمْنَعُ الْوِلَايَةَ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الْوَلِيِّ عَدَمُ الْفِسْقِ كَمَا مَرَّ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُهَا) وَلَوْ كَانَ لَوْ سَلَبْنَاهُ الْوِلَايَةَ انْتَقَلَتْ إلَى حَاكِمٍ فَاسِقٍ أَبْقَيْنَاهُ عَلَى وِلَايَتِهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَلَا سَبِيلَ إلَى الْفَتْوَى بِغَيْرِهِ قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ وَهُوَ حَسَنٌ وَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ وَالْمُعْتَمَدُ انْتِقَالُهَا لَهُ أَيْ لِلْحَاكِمِ الْفَاسِقِ ز ي وَح ل وَشَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ فَيُزَوِّجُ بَنَاتِهِ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ) يَقْتَضِي هَذَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُجْبِرًا فَلَا يُزَوِّجُ بِنْتَهُ الصَّغِيرَةَ وَلَا الْكَبِيرَةَ الْبِكْرَ إلَّا بِإِذْنِهَا، وَنُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا أَنَّهُ مَالَ إلَى أَنَّهُ يَكُونُ مُجْبِرًا اهـ. وَكَتَبَ أَيْضًا أَيْ حَيْثُ لَا وَلِيَّ غَيْرُهُ لِبَنَاتِهِ وَبَنَاتِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ الْخَاصَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْعَامَّةِ، فَإِذَا كَانَ فَاسِقًا وَلَهُ أَبٌ غَيْرُ فَاسِقٍ زَوَّجَهُنَّ أَبُوهُ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ كُنَّ أَيْ بَنَاتُهُ أَبْكَارًا لَا يَحْتَاجُ لِإِذْنِهِنَّ لِأَنَّهُ أَبٌ وَعَلَيْهِ فَلَيْسَ بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ الْمَحْضَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأُمَّ لَوْ تَوَلَّتْ الْإِمَامَةَ الْعُظْمَى لَا تُزَوِّجُ مَنْ ذُكِرَ إلَّا بِالْإِذْنِ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ مُجْبِرَةً ح ل

(قَوْلُهُ بِأَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ) أَيْ فِي مَالِهِ أَمَّا مَنْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ بِالْفِسْقِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْفَاسِقِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُ ع ش وَفِيهِ عَلَى م ر وَالْمُرَادُ بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا أَنْ يَمْضِيَ لَهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ زَمَنٌ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مَا يُنَافِي الرُّشْدَ بِحَيْثُ تَقْضِي الْعَادَةُ بِرُشْدِ مَنْ مَضَى عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَعَاطِي مَا يَحْصُلُ بِهِ الْفِسْقُ، لَا مُجَرَّدِ كَوْنِهِ لَمْ يَتَعَاطَ مُنَافِيًا وَقْتَ الْبُلُوغِ بِخُصُوصِهِ. (قَوْلُهُ ثُمَّ حُجِرَ عَلَيْهِ) فَإِنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ صَحَّ تَزْوِيجُهُ كَبَقِيَّةِ تَصَرُّفَاتِهِ ح ل. (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْحَجْرُ) ضَعِيفٌ وَقَالَ ع ن: فَمُجَرَّدُ السَّفَهِ يَمْنَعُ مِنْ الْوِلَايَةِ وَإِنْ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ بَذَّرَ بَعْدَ رُشْدِهِ وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ

(قَوْلُهُ كَخَبْلٍ) بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الْجُنُونُ وَشَبَهُهُ كَالْهَوَجِ وَالْبَلَهِ، وَبِفَتْحِهَا الْجُنُونُ فَقَطْ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمِصْبَاحِ، فَيَكُونُ ذِكْرُهُ بَعْدَ الْجُنُونِ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْ ذِكْرِ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، وَقَالَ ع ن: الْخَبَلُ فَسَادٌ فِي الْعَقْلِ وَالْمَشْهُورُ فَتْحُ الْبَاءِ. (قَوْلُهُ وَكَثْرَةِ أَسْقَامٍ) اسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ عَدَمَ انْتِظَارِ زَوَالِ الْأَسْقَامِ حَيْثُ قَالَ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: سُكُونُ الْأَلَمِ لَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ إفَاقَةِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِذَا اُنْتُظِرَتْ الْإِفَاقَةُ فِي الْإِغْمَاءِ وَجَبَ أَنْ يُنْتَظَرَ السُّكُونُ هُنَا، وَبِتَقْدِيرِ عَدَمِ الِانْتِظَارِ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: يُزَوِّجُ السُّلْطَانُ لَا الْأَبْعَدُ كَمَا فِي الْغَائِبِ، وَأَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ الْأَوَّلِ: بِأَنَّ الْإِغْمَاءَ لَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ يَعْرِفُهُ الْأَطِبَّاءُ فَجُعِلَ مَرَدًّا بِخِلَافِ سُكُونِ الْأَلَمِ، وَعَنْ الثَّانِي بِمَنْعِ بَقَاءِ الْأَهْلِيَّةِ مَعَ الْأَلَمِ إذْ لَا أَهْلِيَّةَ مَعَ دَوَامِ الْأَلَمِ بِخِلَافِ الْغَيْبَةِ ح ل وَز ي

(قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَمَا اُسْتُثْنِيَ إلَخْ ح ل (قَوْلُهُ لِوَلِيِّ السَّيِّدِ) سَوَاءٌ كَانَ السَّيِّدُ الذَّكَرُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا، لِأَنَّ السَّيِّدَ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ فَقَامَ وَلِيُّهُ مَقَامَهُ، أَوْ كَانَ السَّيِّدُ أُنْثَى مُسْلِمَةً بِخِلَافِ الْكَافِرَةِ فَلَيْسَ لِوَلِيِّهَا الْمُسْلِمِ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَيْ أَمَتَهَا الْكَافِرَةَ، لِأَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ مُوَلِّيَتَهُ الْكَافِرَةَ ح ل. (قَوْلُهُ وَلِلْقَاضِي) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِوَلِيِّ السَّيِّدِ (قَوْلُهُ مِمَّا مَرَّ) أَيْ قَوْلُهُ فَالسُّلْطَانُ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِتَزْوِيجِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكَافِرَةِ ح ل. (قَوْلُهُ وَيَلِي كَافِرٌ) مُسْتَأْنَفٌ وَقَوْلُهُ مَحْظُورًا أَيْ مُفَسِّقًا قَالَ م ر: وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلَا يَلِي بِحَالٍ وَلَا يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِمِلْكٍ كَمَا لَا يَتَزَوَّجُ. (قَوْلُهُ فَيَلِي الْيَهُودِيُّ النَّصْرَانِيَّةَ) صُورَتُهَا أَنْ يَتَزَوَّجَ نَصْرَانِيٌّ يَهُودِيَّةً أَوْ عَكْسُهُ فَتَلِدُ مِنْهُ بِنْتًا فَتُخَيَّرَ إذَا بَلَغَتْ بَيْنَ دِينِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا، فَتَخْتَارَهَا أَوْ تَخْتَارَهُ ح ل

(قَوْلُهُ كَالْإِرْثِ) مِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ الْحَرْبِيُّ ذِمِّيَّةً وَلَا عَكْسُهُ، وَمِثْلُ الذِّمِّيِّ الْمُعَاهَدُ ح ل (قَوْلُهُ وَيَنْقُلُهَا كُلٌّ) تَعْبِيرُهُ بِالنَّقْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلصِّبَا وَالْجُنُونِ وَاخْتِلَافِ الدِّينِ الْأَصْلِيِّ، فِيهِ مُسَامَحَةٌ لِأَنَّ النَّقْلَ فَرْعُ الثُّبُوتِ وَهِيَ لَا تَثْبُتُ لِهَؤُلَاءِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: ضَمَّنَ يَنْقُلُهَا مَعْنَى يُثْبِتُهَا فَأَطْلَقَ الْمَلْزُومَ وَأَرَادَ اللَّازِمَ تَأَمَّلْ. أَوْ هُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>