وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ حَاجَاتِهِ الْمُهِمَّةِ كَالنَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ؛ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ الْمُعَرِّضُ لِلزِّنَا لَيْسَ مِنْ الْمُصَاحَبَةِ بِالْمَعْرُوفِ الْمَأْمُورِ بِهَا فَلَا يَلْزَمُ مُعْسِرًا إعْفَافُ أَصْلٍ، وَلَا مُوسِرًا إعْفَافُ غَيْرِ أَصْلٍ وَلَا أَصْلُ غَيْرِ ذَكَرٍ وَلَا غَيْرُ حُرٍّ وَلَا غَيْرُ مَعْصُومٍ وَلَا قَادِرٌ عَلَى إعْفَافِ نَفْسِهِ وَلَوْ بِسُرِّيَّةٍ وَمِنْ كَسْبِهِ، وَلَا مَنْ لَمْ يُظْهِرْ حَاجَتَهُ، وَذِكْرُ الْمُوسِرِ وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَ الْأَقْرَبِ وَالْوَارِثِ مَعَ قَوْلِي حُرٌّ مَعْصُومٌ مِنْ زِيَادَتِي، وَتَعْبِيرِي بِالْعَجْزِ عَنْ إعْفَافِهِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِفَاقِدِ مَهْرٍ. وَتُعْرَفُ حَاجَتُهُ لَهُ (بِقَوْلِهِ بِلَا يَمِينٍ) ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا يَلِيقُ بِحُرْمَتِهِ، لَكِنْ لَا يَحِلُّ لَهُ طَلَبُ الْإِعْفَافِ إلَّا إذَا صَدَقَتْ شَهْوَتُهُ بِأَنْ يَضُرَّ بِهِ التَّعَزُّبُ وَيَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ: فَلَوْ كَانَ ظَاهِرُ حَالِهِ يُكَذِّبُهُ كَذِي فَالِجٍ شَدِيدٍ أَوْ اسْتِرْخَاءٍ فَفِيهِ نَظَرٌ، وَيُشْبِهُ أَنْ لَا تَجِبَ إجَابَتُهُ، أَوْ يُقَالُ: يَحْلِفُ هُنَا لِمُخَالَفَةِ حَالِهِ دَعْوَاهُ، وَتَعْبِيرِي: بِأَظْهَرَ حَاجَتَهُ مُوَافِقٌ لِعِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحَيْنِ بِخِلَافِ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ وَالرَّوْضَةِ بِظَهَرَتْ حَاجَتُهُ وَإِعْفَافُهُ (بِأَنْ يُهَيِّئَ لَهُ مُسْتَمْتَعًا) بِفَتْحِ التَّاءِ كَأَنْ يُعْطِيَهُ أَمَةً أَوْ ثَمَنَهَا
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَقَوْلُهُ: لِأَنَّهُ أَيْ: الْإِعْفَافُ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: مِنْ حَاجَاتِهِ الْمُهِمَّةِ) مَعَ عَدَمِ نَقْصِهِ فَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ الرَّقِيقُ وَبَعْضُهُمْ جَعَلَ الدَّلِيلَ هُوَ الْقِيَاسُ عَلَى النَّفَقَةِ وَجَعَلَ قَوْلَهُ: لِأَنَّهُ إلَخْ جَامِعًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَرِدُ الرَّقِيقُ أَيْضًا وَيَرِدُ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلُ إذَا كَانَ مُبَعَّضًا لِوُجُوبِ نَفَقَتِهِ وَكُسْوَتِهِ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ. وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّزَوُّجُ لَا يُمْكِنُ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ لَمْ يَجِبْ إعْفَافُهُ ح ل. (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ الْمُعَرِّضُ لِلزِّنَا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا يَأْتِي فِي الرَّقِيقِ فَكَانَ مُقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبَ إعْفَافِهِ ح ل.
(قَوْلُهُ: الْمَأْمُورِ بِهَا) أَيْ: فِي قَوْله تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] . (قَوْلُهُ: إعْفَافُ أَصْلٍ) أَظْهَرَ الْفَاعِلَ فِي مَوْضِعِ الْإِضْمَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَضْمَرَ لَتُوُهِّمَ أَنَّ قَوْلَهُ إعْفَافُ غَيْرِ أَصْلٍ هُوَ الْفَاعِلُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ حِينَئِذٍ: فَلَا يَلْزَمُ مُعْسِرًا وَلَا مُوسِرًا إعْفَافُ غَيْرِ أَصْلٍ فَلِلَّهِ دَرُّهُ. (قَوْلُهُ: وَلَا غَيْرُ مَعْصُومٍ) كَحَرْبِيٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ وَمُرْتَدٍّ. (قَوْلُهُ: وَمِنْ كَسْبِهِ) الْمُرَادُ أَنَّهُ قَادِرٌ بِكَسْبٍ يُحَصِّلُهُ فِي زَمَنٍ قَصِيرٍ عُرْفًا بِحَيْثُ لَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ التَّعَزُّبِ فِيهِ مَشَقَّةٌ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً غَالِبًا فِيمَا يَظْهَرُ س ل قَالَ الشَّوْبَرِيُّ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَتَلْزَمُ الْفَرْعَ، وَإِنْ قَدَرَ الْأَصْلُ عَلَيْهَا بِالْكَسْبِ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ تَكَرُّرُهَا بِخِلَافِ الْإِعْفَافِ. (قَوْلُهُ: أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِفَاقِدِ مَهْرٍ) ؛ لِأَنَّ تَعْبِيرَهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى التَّسَرِّي أَوْ التَّزَوُّجِ مِنْ كَسْبِهِ وَجَبَ إعْفَافُهُ عَلَى الْفَرْعِ وَلَيْسَ مُرَادًا. اهـ. ع ش. (قَوْلُهُ: وَتُعْرَفُ حَاجَتُهُ لَهُ) أَيْ: لِلْإِعْفَافِ، وَانْظُرْ وَجْهَ تَقْدِيرِ هَذَا فَإِنَّنَا فِي غُنْيَةً عَنْهُ بِتَعَلُّقِ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ بِقَوْلِهِ أَظْهَرَ اهـ شَيْخُنَا. وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ قَدَّرَ مَا ذُكِرَ لِطُولِ الْفَصْلِ وَبِأَنَّهُ حَلُّ مَعْنًى لَا حَلُّ إعْرَابٍ. (قَوْلُهُ بِقَوْلِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَظْهَرَ وَحِينَئِذٍ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِظْهَارُ بِالْقَوْلِ وَلَا يُكْتَفَى بِالْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَهُوَ خِلَافُ كَلَامِهِمْ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِي تَرْجِيحِ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ عَلَى عِبَارَةِ الْأَصْلِ: إنَّ عِبَارَةَ الْأَصْلِ تَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَكْفِي إظْهَارُهَا بِالْقَوْلِ فَكَانَ حَقُّ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: وَلَوْ بِالْقَوْلِ. اهـ. ح ل أَيْ: بِمُجَرَّدِهِ، وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ قَرَائِنُ وَمِثْلُهُ فِي م ر.
(قَوْلُهُ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ) عَطْفُ لَازِمٍ عَلَى مَلْزُومٍ. (قَوْلُهُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ) هُوَ تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمَتْنِ بِلَا يَمِينٍ بِالنَّظَرِ لِقَوْلِهِ أَوْ يُقَالُ يَحْلِفُ. (قَوْلُهُ: فَفِيهِ) أَيْ فَفِي وُجُوبِ إعْفَافِهِ وَقَوْلُهُ وَيُشْبِهُ أَيْ يَنْبَغِي. (قَوْلُهُ: وَتَعْبِيرِي بِأَظْهَرَ حَاجَتَهُ إلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ أَنَّ ظُهُورَهَا لَنَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَرَائِنَ تَظْهَرُ لَنَا، وَإِظْهَارُهَا يَكْفِي فِيهِ قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ لَنَا صِدْقُهُ ز ي وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ: بِخِلَافِ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ وَالرَّوْضَةِ بِظُهُورِ حَاجَتِهِ أَيْ: بِأَنْ ظَهَرَتْ لَنَا بِقَرَائِنَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَمَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَالرَّوْضَةِ غَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهِ بَلْ يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ بِدُونِ قَرِينَةٍ. (قَوْلُهُ: مُسْتَمْتَعًا) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ وَفَتْحِ التَّاءَيْنِ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ اسْتَمْتَعَ بِكَذَا بِمَعْنَى تَمَتَّعَ بِهِ أَيْ: تَلَذَّذَ بِهِ زَمَانًا طَوِيلًا يُقَالُ: مَتَّعَ اللَّهُ بِك مَتَاعًا وَأَمْتَعَ أَدَامَ بَقَاءَك وَالِانْتِفَاعَ بِك، حَكَاهُ ابْنُ الْقَطَّانِ وَهُوَ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ مَنْصُوبٍ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِقَوْلِهِ يُهَيِّئُ أَيْ: امْرَأَةً مُسْتَمْتَعًا بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَمْ أَمَةً مُسْلِمَةً أَمْ كَافِرَةً بِشَرْطِهِ فَحَذَفَ الْجَارَّ وَأَوْصَلَ الضَّمِيرَ فَاسْتَتَرَ فِي قَوْلِهِ مُسْتَمْتَعًا وَهُوَ شَائِعٌ سَمَاعًا لَا قِيَاسًا، وَمِثْلُهُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ وَأَصْلُهُ مُشْتَرَكٌ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَرْأَةِ الْمُسْتَمْتَعُ بِهَا مَا مَنْ شَأْنُهَا أَنْ يُسْتَمْتَعَ بِهَا فَفِيهِ تَجَوُّزٌ أَيْ مَجَازُ الْأَوَّلِ؛ إذْ لَا يَصْدُقُ هَذَا الْوَصْفُ حَقِيقَةً إلَّا حَالَةَ وُجُودِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَالْآنَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ وَقَصَدَ بِذَلِكَ الِاحْتِرَازَ عَنْ الشَّوْهَاءِ وَنَحْوِهَا وَيُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِ الْمُسْتَمْتَعِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى مَادَّتِهِ الْمَأْخُوذِ فِيهِ الدَّوَامُ الْمُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ الطَّوِيلُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي أَنْ يُهَيِّئَ لَهُ امْرَأَةً قَرِيبَةَ الْعَجْزِ مَثَلًا بِحَيْثُ لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا زَمَانًا طَوِيلًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِقْهًا وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ،
وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَحْتَهُ عَجُوزٌ أَنَّ الْقِيَاسَ وُجُوبُ إعْفَافِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَوْ اكْتَفَيْنَا بِتَهْيِئَةِ مَنْ قَارَبَتْ الْعَجْزَ لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ عِنْدَ الْعَجْزِ الْإِعْفَافَ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ فِرَاشَانِ فَيَمْتَنِعُ الِاكْتِفَاءُ بِهَذِهِ ابْتِدَاءً وَيَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْ الْوَلَدِ مَحَلِّيٌّ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: أَوْ ثَمَنَهَا) وَإِنْ احْتَاجَ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَالْغَالِبُ كِفَايَةُ الْوَاحِدَةِ، وَإِذَا أَعْطَاهُ الْأَمَةَ أَوْ الثَّمَنَ أَوْ الْمَهْرَ مَلَّكَهُ، وَإِذَا اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ النَّفَقَةَ فَاسْتَغْنَى عَنْهَا بِضِيَافَةٍ وَنَحْوِهَا لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهَا فَلَا تُسْتَرَدُّ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُمْ إنَّ نَفَقَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute