للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يُؤْمَنُ الْوُقُوعُ فِي التُّهْمَةِ وَالْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَلَوْ جَوَّزْنَا التَّعْلِيمَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ، وَلَيْسَ سَمَاعُ الْحَدِيثِ كَذَلِكَ، فَإِنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْهُ لَضَاعَ، وَلِلتَّعْلِيمِ بَدَلٌ يُعْدَلُ إلَيْهِ انْتَهَى. وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَجْنَبِيَّةِ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الزَّوْجَيْنِ قَدْ تَعَلَّقَتْ آمَالُهُ بِالْآخَرِ، وَحَصَلَ بَيْنَهُمَا نَوْعُ وُدٍّ فَقَوِيَتْ التُّهْمَةُ فَامْتَنَعَ التَّعْلِيمُ لِقُرْبِ الْفِتْنَةِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيَّةِ فَإِنَّ قُوَّةَ الْوَحْشَةِ بَيْنَهُمَا اقْتَضَتْ جَوَازَ التَّعْلِيمِ، وَحَمَلَ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ التَّعْلِيمَ الَّذِي يُبِيحُ النَّظَرَ عَلَى التَّعْلِيمِ الْوَاجِبِ كَقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، فَمَا هُنَا مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَأَفْهَمَ تَعْلِيلُهُمْ السَّابِقُ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَحْرُمْ الْخَلْوَةُ بِهَا كَأَنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ صَارَتْ مَحْرَمًا لَهُ بِرَضَاعٍ أَوْ نَكَحَهَا ثَانِيًا لَمْ يَتَعَذَّرْ التَّعْلِيمُ، وَبِهِ جَزَمَ الْبُلْقِينِيُّ.

وَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ آيَاتٍ يَسِيرَةٍ يُمْكِنُ تَعْلِيمُهَا فِي مَجْلِسٍ بِحُضُورِ مَحْرَمٍ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ لَمْ يَتَعَذَّرْ التَّعْلِيمُ كَمَا نَقَلَهُ السُّبْكِيُّ عَنْ النِّهَايَةِ وَصَوَّبَهُ، وَخَرَجَ بِتَعْلِيمِهَا تَعْلِيمُ عَبْدِهَا وَتَعْلِيمُ وَلَدِهَا الْوَاجِبِ عَلَيْهَا تَعْلِيمُهُ، فَلَا يَتَعَذَّرُ التَّعْلِيمُ. فَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ.

(وَوَجَبَ) بِتَعَذُّرِ التَّعْلِيمِ (مَهْرُ مِثْلٍ) إنْ فَارَقَ بَعْدَ وَطْءٍ، (أَوْ نِصْفُهُ) إنْ فَارَقَ لَا بِسَبَبِهَا قَبْلَهُ. وَلَوْ فَارَقَ بَعْدَ التَّعْلِيمِ وَقَبْلَ الْوَطْءِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَهُوَ ضَعِيفٌ. (قَوْلُهُ: وَلَا يُؤْمَنُ إلَخْ) غَرَضُهُ الرَّدُّ عَلَى الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ بَلْ يُعَلِّمُهَا مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

(قَوْلُهُ وَالْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ) أَيْ: لِغَيْبَةِ مَنْ تَمْتَنِعُ مَعَهُ الْخَلْوَةُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ ح ل، فَإِنْ لَمْ يُفَارِقْ وَتَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْفَسَخَ عَقْدُ الصَّدَاقِ، وَيُؤْمَرُ بِدَفْعِ مَهْرِ الْمِثْلِ لِعَدْلٍ ثُمَّ تُؤْمَرُ بِالتَّمْكِينِ، وَنَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ ز ي أَنَّهُ كَالْمُؤَجَّلِ فَتُجْبَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَقَالَ ع ش: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُؤَجَّلِ وَبَيْنَ تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ لَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ وَنَحْوِهَا بِرْمَاوِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ سَمَاعُ الْحَدِيثِ كَذَلِكَ) أَيْ: مُتَعَذِّرًا فِيمَا لَوْ أَصْدَقَهَا سَمَاعَ الْبُخَارِيِّ مَثَلًا فَإِنَّا لَوْ لَمْ نُجَوِّزْهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ مَعَ عَدَمِ الْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ لَضَاعَ فَلِخَوْفِ ضَيَاعِ السَّنَدِ جَوَّزْنَا السَّمَاعَ مَعَ وُجُودِ الْمَعْنَى الْمُعَلَّلِ بِهِ فِي التَّعْلِيمِ وَهُوَ عَدَمُ الْأَمْنِ مِنْ الْوُقُوعِ فِي التُّهْمَةِ وَكَوْنِ الصَّدَاقِ لَهُ بَدَلٌ، فَلَوْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ الْحَدِيثِ كَانَ كَتَعْلِيمِ غَيْرِهِ ح ل، وَخَصَّصَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا بِالْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَضِيعُ إلَّا حِينَئِذٍ وَبَعْضُهُمْ عَمَّمَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالْقُرْآنِ بِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الْقُرْآنِ كَثْرَةُ مَنْ يُتَعَلَّمُ مِنْهُ وَمِنْ شَأْنِ الْحَدِيثِ عِزَّةُ مَنْ يُؤْخَذُ عَنْهُ، وَلَوْ تَعَدَّدَ، فَإِنْ فُرِضَ انْفِرَادُ وَاحِدٍ بِهِ فَنَادِرٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، لَا يُقَالُ: سَمَاعُ الْحَدِيثِ مُمْكِنٌ أَيْضًا مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ تَحْصِيلُ هَذَا السَّنَدِ بِخُصُوصِهِ لَا يُمْكِنُ مِنْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْقُرْآنِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الشَّارِحِ وَلِلتَّعْلِيمِ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ نَوْعُ وُدٍّ) الْوُدُّ مُثَلَّثُ الْوَاوِ فِيمَا نُقِلَ وَهُوَ الْحُبُّ.

(قَوْلُهُ: وَحَمَلَ السُّبْكِيُّ إلَخْ) أَيْ: فَفِي الْوَاجِبِ لَا يَتَعَذَّرُ التَّعْلِيمُ هُنَا وَلَا يُنْظَرُ لِقُرْبِ الْفِتْنَةِ الَّتِي لَا يُؤْمَنُ مَعَهَا الْوُقُوعُ فِي التُّهْمَةِ وَالْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ، وَقَدْ عَلِمْت ضَعْفَهُ ح ل أَيْ: فَلَا فَرْقَ هُنَا وَهُنَاكَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْمَنْدُوبِ، فَهُنَا يَتَعَذَّرُ التَّعْلِيمُ مُطْلَقًا وَيَجُوزُ التَّعْلِيمُ لِلْأَجْنَبِيَّةِ هُنَاكَ وَالنَّظَرُ إلَيْهَا فِيهِ، سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا، أَوْ مَنْدُوبًا.

(قَوْلُهُ: الَّذِي يُبِيحُ النَّظَرَ) أَيْ لِلْأَجْنَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ التَّعْلِيمَ مَظِنَّةٌ لِلنَّظَرِ. (قَوْلُهُ: فَمَا هُنَا) أَيْ: فِي الْمُفَارَقَةِ، وَقَوْلُهُ: تَعْلِيلُهُمْ السَّابِقُ وَهُوَ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى) بِأَنْ كَانَتْ أَمَةً وَزَوَّجَهَا سَيِّدُهَا؛ لِأَنَّ الْمُجْبِرَ لَا يُزَوِّجُ بِمَا ذُكِرَ ح ل أَيْ: لِأَنَّهُ لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِالْمَصْلَحَةِ وَيُتَصَوَّرُ أَيْضًا بِأَنْ تَكُونَ فِي بَلَدٍ يَتَزَوَّجُونَ فِيهَا بِذَلِكَ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: أَوْ صَارَتْ مَحْرَمًا لَهُ بِرَضَاعٍ) كَأَنْ أَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ أَيْ: وَصَارَتْ تَشْتَهِي لِيُغَايِرَ مَا قَبْلَهُ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَصْدَقَهَا إلَخْ) مَفْهُومُ قَيْدٍ مُلَاحَظٍ فِي كَلَامِهِ وَهُوَ تَعْلِيمُ قَدْرٍ فِيهِ كُلْفَةٌ عُرْفًا بِأَنْ يَحْتَاجَ لِزَمَنٍ كَثِيرٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ م ر وَغَيْرُهُ، وَيُمْكِنُ جَعْلُهُ مَعْطُوفًا عَلَى لَوْ لَمْ إلَخْ فِي قَوْلِهِ: إنَّهَا لَوْ لَمْ تَحْرُمْ إلَخْ فَيَكُونُ هَذَا مَفْهُومًا أَيْضًا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَتِهِ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَمِثْلُهُ م ر، لَكِنْ الْمُرَادُ بِالتَّعْلِيلِ قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ إلَخْ. (قَوْلُهُ فِي مَجْلِسٍ) أَيْ: فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ، وَلَوْ فِي مَجْلِسٍ.

(قَوْلُهُ: لَمْ يَتَعَذَّرْ التَّعْلِيمُ) لِأَنَّهُ يُؤْمَنُ مِنْ الْوُقُوعِ فِي التُّهْمَةِ وَالْخَلْوَةِ الْمُحَرَّمَةِ لِبُعْدِ غَيْبَةِ الْمَحْرَمِ مَثَلًا فِي هَذَا الزَّمَنِ الْيَسِيرِ ح ل. (قَوْلُهُ: مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) إنَّمَا اُعْتُبِرَ مَعَ الْمَحْرَمِ لِيَمْنَعَ النَّظَرَ. (قَوْلُهُ: الْوَاجِبِ عَلَيْهَا تَعْلِيمُهُ) قَيْدٌ فِي تَعْلِيمِ الْوَلَدِ وَلِهَذَا أَعَادَ الْعَامِلَ وَلَمْ يَكْتَفِ بِمُجَرَّدِ الْعَطْفِ، وَوُجُوبُ تَعْلِيمِهِ عَلَيْهَا إمَّا لِكَوْنِهِ لَا أَبَ لَهُ وَهِيَ وَصِيَّةٌ عَلَيْهِ، أَوْ قَيِّمَةٌ وَإِمَّا لِكَوْنِ الْأَبِ مُعْسِرًا وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا تَعْلِيمُهُ لِكَوْنِهِ غَنِيًّا أَوْ كَوْنِ نَفَقَتِهِ عَلَى أَبِيهِ لَمْ يَصِحَّ الْإِصْدَاقُ كَمَا فِي الرَّوْضِ لِعَدَمِ عَوْدِ نَفْعِهِ إلَيْهَا بِخِلَافِ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا تَعْلِيمُهُ فَإِنَّهُ يَعُودُ نَفْعُهُ إلَيْهَا بِدَفْعِ الْإِثْمِ عَنْهَا، وَلَيْسَ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ التَّعْلِيمُ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ لِفَسَادِهِ، قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: أَمَّا الْعَبْدُ فَيَجُوزُ إصْدَاقُهَا تَعْلِيمَهُ مُطْلَقًا أَيْ: وَجَبَ عَلَيْهَا تَعْلِيمُهُ كَالْبَالِغِ أَوَّلًا فَإِنَّهَا يَجِبُ عَلَيْهَا تَعْلِيمُ الْبَالِغِ الْوَاجِبَاتِ كَالْفَاتِحَةِ، نَعَمْ خِتَانُهُ مَشْرُوطٌ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهَا وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْلِيمِهِ عَوْدُ نَفْعِهِ غَالِبًا عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْخِتَانِ، وَزِيَادَةُ الْقِيمَةِ بِهِ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ فَلْيُتَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ فَارَقَ بَعْدَ التَّعْلِيمِ) مَفْهُومُ قَوْلِهِ وَفَارَقَ قَبْلَهُ، وَقَوْلُهُ: أَمَّا لَوْ أَصْدَقَ التَّعْلِيمَ فِي ذِمَّتِهِ مَفْهُومُ قَوْلِ الشَّارِحِ بِنَفْسِهِ فَلَوْ ذَكَرَهُمَا عَقِبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>